توقيت القاهرة المحلي 07:10:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تونس بين دستورين

  مصر اليوم -

تونس بين دستورين

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

ارتدادات الربيع العربي ما زالت تفعل فعلها في مركز ذلك الزلزال الذي قدح شرارة ذاك الربيع الذي تقهقر في عشرية هوت فوقها أزمات وأطلقت آهات لم تغب بعد.
تونس بعد صدور دستور سنة 2014، عاشت مرحلة من القلق السياسي، حيث تشتت السلطة بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة ومجلس النواب. مجلس النواب تقاسمته تيارات سياسية وآيديولوجية متصارعة بل متصادمة. الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، بحكمته وخبرته وبحكم سنه، كان شيخ العقل الوطني، وتمكن من تحقيق حالة من التصالح الوقور مع كل الأطراف المتصارعة. لكن مجلس النواب كان حلبة الملاكمة بالكلام والصراخ والضرب الذي نُقل إلى الناس على الهواء. وسائل الإعلام تسابقت لنقل ما يجري في قاعة البرلمان رفقة أصوات معلقين تفوقوا على ناقلي مباريات كرة القدم.
جائحة «كورونا» وتراجع السياحة بالبلاد، وارتباك الوضع الاقتصادي، واتساع بقع الإرهاب، كل ذلك وضع البلاد في حفرة تزداد عمقاً دون توقف، وارتفع غضب الشارع الذي حمَّل السياسيين، وفي مقدمتهم مجلس نواب الشعب، مسؤولية ما تعانيه البلاد. قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري الذي حصل على 72 في المائة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، شخَّص الحالة العامة للبلاد وما تعانيه من أزمات، واهتدى إلى أن تشتت السلطات وتضاربها هما بيت الداء، وأن الأزمات بكل أنواعها، لا تعدو أن تكون أعراضاً. في شهر يوليو (تموز) الماضي اتخذ الرئيس إجراءات شاملة وقوية وحاسمة، ووضع نهاية عملية لتلك السلطات، وأعلن عن صياغة دستور جديد للبلاد ليحل محل ذاك الذي كُتب سنة 2014، وأطلق عليه دستور الثورة، الذي أنهى النظام الرئاسي الذي عاشته تونس في عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
كلّف الرئيس قيس سعيد لجنة لصياغة دستور جديد، وقدمت اللجنة المسودة المقترحة للرئيس في الأول من هذا الشهر، ليتم الاستفتاء عليه يوم 25 من الشهر الجاري، ليحل محل ما عُرف بدستور الثورة، يتضمن الدستور الجديد عشرة أبواب ومائة واثنين وأربعين فصلاً تتقدمها توطئة تبدأ بعبارة «نحن الشعب التونسي»، ونصت على أن الشعب هو صاحب السيادة. الجديد في مشروع الدستور المقترح هو استعمال كلمة «الوظائف» بدلاً من «السلطات»، حيث ينص على الفصل بين الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية، وعلى إرساء توازن حقيقي بين هذه الوظائف. نص جديد أيضاً جاء فيه أن تونس جزء من الأمة العربية، وأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وعلى الدولة (وحدها)، أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية. كما نصَّ على أن تضمن الدولة حرية الدين والمعتقد وحرية الضمير. النقلة البارزة في مشروع الدستور المطروح للاستفتاء هي تأسيس مجلس نيابي موازٍ هو المجلس الوطني للجهات والأقاليم. مادة أخرى نصت على أن النائب لا يتمتع بالحصانة البرلمانية فيما يتعلق بجرائم القذف والثلب وتبادل العنف المرتكبة داخل المجلس. الباب الرابع في مشروع الدستور الجديد يحدد طبيعة النظام الجديد بتكوينه الرئاسي الكامل، حيث جاء فيه «رئيس الجمهورية يمارس الوظيفة التنفيذية، بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة، ويعين رئيس الجمهورية رئيس الحكومة وأعضاءها وتسهر الحكومة على تنفيذ السياسة العامة للدولة طبقاً للتوجيهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية، وأن الحكومة مسؤولة عن تصرفها أمام رئيس الجمهورية».
المشروع المقدم للاستفتاء، يكرّس النظام الرئاسي بكل أركانه. لا توجد جهة تشريعية تُسائل رئيس الدولة الذي يضع السياسات العامة للدولة، والحكومة وظيفتها تنفيذ توجيهاته وخياراته، إضافة جسم تشريعي جديد هو المجلس الوطني للجهات والأقاليم، لكسر الهيمنة المركزية على التشريع المتمثلة في مجلس نواب الشعب، وأدخل تغييرات أساسية كبيرة على دستور سنة 2014، بما في ذلك المواد التي جرى التنصيص على أنها غير قابلة للتعديل، وأولها ما جاء في الفصل الأول: «تونس دولة حرة مستقلة. الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها»، في الفصل الثاني: «تونس دولة مدنية تقوم على إرادة الشعب وعلوية القانون»، في الفصل الثالث: «الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات ويمارسها بواسطة ممثليه المنتخبين، أو عبر الاستفتاء»، أما الفصل السابع والأربعون من الدستور السابق نصّ على: «لا يمكن إجراء أي تتبع قضائي مدني أو جزائي ضد عضو بمجلس نواب الشعب أو إيقافه أو محاكمته لأجل آراء أو اقتراحات يبديها أو أعمال يقوم بها في ارتباط بمهامه النيابية».
كما جاء في ذلك الدستور: «يمارس السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية وحكومة يرأسها رئيس الحكومة». وجاء في الفصل السابع والثمانين: «يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب، المبادرة بلائحة معلنة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية من أعضائه، وفي هذه الصورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك، ولا يمكن للمحكمة الدستورية أن تحكم في صورة الإدانة إلا بالعزل، ولا يعفي ذلك من التبعات الجزائية عند الاقتضاء، ويترتب على العزل فقدانه لحق الترشح لأي انتخابات أخرى». في الفصل التاسع والثلاثين: «يمارس رئيس الحكومة السلطة الترتيبية العامة، ويصدر الأوامر الفردية التي يمضيها بعد مداولة مجلس الوزراء».
قراءة أهم المرتكزات النصية في الدستورين السابق واللاحق، توضح حجم الخلاف بين جمهورية ترحل وأخرى تنتظر ولوجها لدنيا تونس. ردود الأفعال على مشروع الدستور الجديد المقترح متباينة ومتباعدة. حزبا «النهضة» و«الحر الدستوري» يقودان معارضته، وكذلك جبهة الخلاص التي يقودها أحمد نجيب الشابي. الاتحاد العام التونسي للشغل وهو القوة النقابية الضاربة، ترك لمنتسبيه الحرية في تحديد كل منهم موقفه من مشروع الدستور الجديد. مفاجأة سبقت حملة الاستفتاء، هي ما صرح به وكتبه الصادق بلعيد الذي كلفه الرئيس قيس سعيد برئاسة لجنة إعداد مشروع الدستور، قال بلعيد إن ما عرضه الرئيس لا علاقة له بالمشروع الذي أعدته اللجنة المكلفة، وإن الرئيس خطّ المسودة المقترحة بنفسه.
الخلاصة التي يمكن استنتاجها هي أن الرئيس قيس سعيد حلل بعمق ما عاشته البلاد بسبب تشتت السلطات وتضاربها، والصراع الآيديولوجي والفساد والإرهاب، واجترح الوصفة السياسية الدستورية التي تنهض بالبلاد التونسية. الأسبوع الأخير من هذا الشهر، سيشهد الاستفتاء. هل سيكون الباب الذي تعبر منه البلاد إلى عهد جديد أم يكون الباب الدوار الذي يلف فيه سيزيف تونس بين الألم والأمل في رحلة بين دستورين؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس بين دستورين تونس بين دستورين



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon