توقيت القاهرة المحلي 20:45:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حروب بوتين الأسطورية الدولية

  مصر اليوم -

حروب بوتين الأسطورية الدولية

بقلم : عبد الرحمن شلقم

الحروب تبدأ في الرؤوس، ولها فيها بذور تزرعها حمولة التاريخ والآيديولوجيا والطموحات الجماعية والفردية. حرب روسيا في أوكرانيا تقترب من عامها الثاني وفي كل يوم تزداد تعقيداً وتطفو على اهتمام وانشغال وتخوف العالم كله. روسيا تواصل هجومها بكل أنواع الأسلحة، ودول حلف «الناتو» تضخ السلاح والمال إلى أوكرانيا. من الصعب التكهن بـمتى ستنتهي هذه الحرب، وما هي الحلول التي سيقبل بها أطراف الصراع الذي تحوّل حرباً عالمية؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من أمر بشنّ الحرب على دولة أوكرانيا. قيل الكثير عن محركات هذه الحرب وكُتب عنها الكثير. كل حرب لها رأس آمر بها، وفي حالة أوكرانيا، ما هو الدافع الذي حرّك الرئيس الروسي بوتين ليأمر بشنّها؟ بوتين له شخصية الزعيم بكل المعايير، وهو الشخصية التي ينشد إليها ويلتف حولها أغلبية الشعب الروسي. روسيا منذ تشكلها ككيان سياسي لم تعرف سوى حكم الزعيم الواحد الصلب العنيد، منذ عهود القياصرة إلى الزعيم لينين قائد الثورة البلشفية، ومن بعده الزعيم الدموي الرهيب جوزيف ستالين، الذي ما زال له في الذاكرة الروسية مكان فسيح، وعلى الرغم من قتله ونفيه الملايين، فالشعب الروسي يعدّه القائد الصلب الشهم الذي قاد شعبه لصد الهجوم النازي وهزيمته.

روسيا لها ذاكرة لا تغيب عنها الحروب التي شُـنّت عليها من الغرب والشرق. من نابليون بونابارت إلى أدولف هتلر. روسيا بلد واسع غني بجميع أنواع الثروات الزراعية والمعدنية، لكنها تعاني مشكلتين كبيرتين، أولاهما طبيعتها الجغرافية المنبسطة؛ إذ ليس بها جبال شاهقة تحمي أطرافها، والمشكلة الأخرى قلة عدد سكانها. بلاد هي الأكبر مساحة في العالم، أكثر من سبعة عشر مليون كم2، في حين أن عدد سكانها لا يزيد على مائة وأربعين مليون نسمة.

هاجس الخوف من الآخر لا يفارق الروس، وجراح الحرب النابوليونية والنازية لا تندمل أبداً في طبقات الذاكرة الروسية.

فلاديمير بوتين تكوّن في معمل كان تجمعاً لمفارقات غرائبية هي أقرب إلى الأسطورة. ولدت الحياة من رحم الموت والنصر من فوهات الهزيمة، وكُسرت العظمة ولكن لتكون مرة أخرى المطرقة الثقيلة الكاسرة وتفرض قوتها في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية.

في أتون الحرب العالمية الثانية، عندما دكّت القوات النازية الألمانية مدينة ليننغراد - سانت بطرسبرغ - وحاصرتها على مدى تسعمائة يوم، كانت عشرات الجثث مكدسة في شاحنة لنقلها لتدفن في قبر جماعي. قبل أن تتحرك الشاحنة، وصل فجأة جندي ووقف أمام الشاحنة فرأى حذاءً في قدم سيدة ملقاة بين الجثث. إنه الحذاء الذي اشتراه لزوجته. إنها هي زوجته. قرر أن يحملها على كتفيه ليدفنها في قبر خاص بها تكريماً لها. تحركت الجثة وتنفست. بعد العلاج استعادت كامل صحتها. بعد نهاية الحرب أنجبت له طفلاً أسماه «فلاديمير بوتين».

المشهد العجائبي الحربي كان فيه والد فلاديمير أيضاً، مثلما كانت فيه أمه. كان أبوه مقاتلاً في جبهة ليننغراد بصحبة مجموعة من الجنود الروس. هاجمتهم قوة ألمانية وقتلت أغلب جنود المجموعة ولم ينجُ منهم سوى أربعة، انسحبوا واختفوا بغابة. لاحقتهم القوة الألمانية وقتلت ثلاثة منهم، وتمكن واحد منهم فقط من الاختفاء وسط بحيرة صغيرة تحيط بها الأشجار. اقترب الألمان من البحيرة ومعهم كلابهم، لكنه غطس في الماء وتمكّن من النجاة، وهو سبيريدون بوتين والد فلاديمير بوتين. الابن فلاديمير الذي وُلد من رحم المفارقات والعجائب، ينتقل إلى العمل بدولة ألمانيا الشرقية الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، في مكتب للـ«كي جي بي»، المخابرات السوفياتية. في برلين الشرقية الألمانية، يصبح الفتى الروسي ابن مدينة ليننغراد الذي نجت أمه من حفرة القبر الجماعي بفضل حذاء، يصبح آمراً في أرض الألمان الذين كادوا أن يمنعوا وجوده بقتل أمه وأبيه. ألمانيا الشرقية كانت غرفة عمليات المخابرات السوفياتية، ومخابرات ألمانيا الشرقية - شتازي - كانت إحدى أهم أدوات الـ«كي جي بي» الروسية. كانت تلك الوظيفة في ذلك المكان الذي تدور فيه الحرب الأمنية العالمية الصامتة بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي عن قرب.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، غابت أشياء في النفوس وتخلقت أخرى. تنقل فلاديمير بوتين بين وظائف مختلفة، وطالته خصاصة مالية دفعته إلى أن يعمل سائقاً بسيارة أجرة. التحق بوظيفة متوسطة بمكتب رئيس روسيا الجديد يلتسين، واقترب منه إلى أن عيّنه خليفة له.

فلاديمير بوتين يحمل في داخله عصوراً تعجّ بالحياة بما فيها من دماء وانتصارات وانكسارات. دخل رئيساً إلى قصر الكرملين وفي رأسه جيش من الطموح والإصرار. استعادة قوة وعظمة روسيا التي مثّلها يوماً الاتحاد السوفياتي، ومقاومة التسيد الغربي للعالم. أعلن رفضه الهيمنة الأميركية على القرار الدولي، وصرّح بذلك في اجتماع مجلس الأمن بمدينة ميونيخ بألمانيا سنة 2007. تعامل مع خمسة رؤساء أميركيين، لكن المياه لم تجرِ بينهم وبينه. هو لم يخفِ في كل اجتماعاته مع كل الرؤساء الأميركيين معارضته لما يدعون إليه من الديمقراطية إلى المثلية وغيرهما. الرئيس باراك أوباما لم يرد انتهاج سياسة تصعيدية مع بوتين، في حين كان نائبه بايدن يتخذ موقفاً متشدداً من سياساته؛ ولهذا فوّضه أوباما في ملف العلاقة مع روسيا. الرئيس السابق دونالد ترمب بارَك سياسات بوتين، وأعلن تأييده ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وقال إنها روسيّة، أما أوكرانيا فقال إنها ليست دولة، وموقف ترمب المستخف بحلف «الناتو»، أثلج صدر بوتين. قيل الكثير عن مساعدة بوتين لترمب في الانتخابات التي أوصلته للرئاسة.

إلى أين سيمضي الرئيس فلاديمير بوتين في سياسته الحدية التي تهدف إلى تغيير المشهد السياسي الدولي، واستعادة الكيان السوفياتي وبناء قوة عسكرية متقدمة، ويلوّح باستعمال السلاح النووي؟ اليوم يعيش العالم حرباً دولية على أرض أوكرانيا، وحلف «الناتو» يلتف على حدود روسيا بعد انضمام دول البلطيق المتاخمة لروسيا، والصين تهب بعض النظرات الودية لروسيا وتنشط في الوقت ذاته في بناء مشروعها الاقتصادي العالمي العملاق، طريق الحرير وتبني قوتها العسكرية الضاربة وعينها المسلحة على تايوان، وكوريا الشمالية ترفع قدراتها الصاروخية والنووية بشكل سريع. ما زالت المخابرات الأميركية والأوروبية تحلل شخصية بوتين وتقرأ لغة جسده، وتشعل الأضواء أمام جميع تحركاته، فهو زعيم صلب يمتلك طموحات جذورها في رحم العجائب الأسطورية، ويمتلك أسلحة تخيف. أين ستكون حدود حروبه، وأين ستكون آفاق امتداداته التي راكمها التاريخ والطموح في كيانه؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حروب بوتين الأسطورية الدولية حروب بوتين الأسطورية الدولية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon