توقيت القاهرة المحلي 18:29:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

زفرات اللغو

  مصر اليوم -

زفرات اللغو

بقلم : عبد الرحمن شلقم

التحليل كلمة منتفخة، في بطنها هواء، بعضُه يدفع كلَّه. المحلّل كلمة حملت شحنة صادمة يبتعد عنها الناس قولاً وعملاً. تحليل المرأة التي يطلِّقها زوجها بالثلاثة يوجب زواجها القصير أو الطويل من رجل آخر كي تحل لزوجها الأول الذي طلَّقها. محللون يُطلون علينا في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، تسبقهم صفة «المحلل». بعد الاستماع إلى ما يسيل من أفواههم في قضايا شتى، يشخص في رؤوسنا سؤال: هل وهب المحللون شرعية الحقيقة للقضية التي اختلت بها أفواههم؟ نصمت وأفواهنا فاغرة، عندما تُطل بعد المحللين، قارئة الأبراج، لتُخبرنا بما هو قادم من عظائم الأمور. مَن سيموت، وأين ومتى ستندلع الحروب. أين ستمطر خزائن المال، ومصائر الرجال. عندما يصير اللغو علماً تصبّه زفرات الجهل في رؤوسٍ بينها وبين العلم والفهم ما صنعه الظلام. اللغو هو الكلام الباطل الذي تفصله عن الحقيقة حُفر واسعة لا شيء فيها سوى غبار الجهل الذي يُعمي العقول، حيث يستمرئ الجاهلون ما يسمعون. ومَن منَّ الله عليهم بنعمة العقل فلهم القدرة الضاربة على تمييز الغث من السمين، ولا يدخلون حلقات غبار اللغو. يقول تعالى: «وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً»، الفرقان: 72. اللغو حالة اجتماعية حياتية لها مكوناتها، تتسع وتضيق. وقد تطغى على مساحة عريضة من النسيج الاجتماعي، وتستمر حقباً طويلة. يسود فيها الكذب، والعبث الفكري، ويتسيّد فيها الجهل الكاسح. اللغو يتحول في حالات كثيرة إلى وباء يضرب المجتمع، ويعيش في الرؤوس زمناً طويلاً، ويقود إلى الجهل والتخلف، عندما يغيب الترياق الفاعل، وهو العلم والتفكير العقلي، الذي يقود إلى إشعال ضوء المعرفة. في زمن النهوض يكون للعقل حضور فيما يقوله، وفيما يكتبه المفكرون والمبدعون.

سَلِ اللهَ عقلاً نافعاً واستعذ به

من الجهلِ تسأل خير مُعطى لسائلِ

فبالعقلِ تستوفى الفضائلَ كلَّها

كما الجهلِ مستوفٍ جميع الرذائلِ

أبو الفتح البستي

لولا العقولُ لكان أدنى ضيغمٍ

أدنى إلى شرفٍ من الإنسانِ

المتنبي

لا أميل إلى التعميم. ففي كل مجتمع هناك من ذا وذا، ولكن يبقى المقياس هو ما تُعرف بالظاهرة الاجتماعية، وفي الموضوع الذي بين سطورنا هي: حالة اللغو التي تتسع أو تضيق فوق قماشة النسيج الاجتماعي. وفعلها في تغييب الوعي الفاعل. التقنية التي أبدعها الإنسان الباحث بنور عقله، صارت مثل الضوء والهواء، لا يخلو منها بيت أو قرية أو مدينة. «الإنترنت» التي صارت أداة الوصل الإنساني بين الناس، عامّتهم وخاصّتهم. كيف استخدمت الشعوب المتقدمة هذا الاختراع التقني العظيم، وكيف استخدمته الشعوب المتخلفة، على المستوى الفردي والجماعي؟ المتقدمون وجدوا في هذا الاختراع، قوة مضافة إلى قدرات التعلم والتفكير، ومتابعة ما يبدعه العقل الإنساني من جديد في كل المجالات، وبكل اللغات، ومن كل القارات، في حين تسابق المتخلفون لجعل «الإنترنت» صوتاً وحروفاً مضافة في محافل اللغو. صارت الحروف أفواهاً تصرخ في حلبات التنابز، وبث الشائعات والأخبار الكاذبة. أعادت محافل المدح والهجاء، وتبادل عجن الكلمات بين مادح وقادح. الاصطفاف في أرتال التأييد والمعارضة، بقوة المصالح والانفعالات الهائجة الحادة. امتلك اللغو زفرات تُسمع وتُرى. أخذ أهل اللغو أجهزةَ التقنية الحديثة للتواصل، أخذوها معهم إلى حُفر الغيبوبة المقدسة. يتحدثون فيها ويكتبون عن الحسد، والرقية، والسحر، والجهاد، وكراهية الآخر، وتكبيل المرأة، ووأدها في حُفر الجهل والتخلف. غابت إشارات المرور في الخطاب الذي وهبته التقنية مسارات تصل الناس بعضهم ببعض، دون سابق معرفة، كما وهبت التقنية لقادة السيارات إشارات مرور تنظم حركتهم، كي يعبر الجميع بنظام وفي سلام. لقد صارت التقنية اليوم، هي الإنسان الثاني المضاف إلى الإنسان الذي عرفناه قبلها. له حواس مضافة تعرف وتدرك ما فوق الأرض وتحتها وما في الفضاء البعيد. الحاسة التقنية صارت قادرة على قيادة الطائرة والسيارة، بل قيادة الإنسان نفسه على طرق لا يعرفها، وصارت طبيباً يشخِّص الأمراض ويعالجها أيضاً. نحن نعيش اليوم عصر اليقظة، كما عاش الأوروبيون عصر النهضة، الذي أخرج الإنسان من حُفر الغيبوبة القسرية في العصور الوسطى. هناك من أدرك حجم تلك النقلة الإنسانية الفارقة ومداها وأهميتها، لكنَّ الغافلين القابعين في هوّة اللغو تركهم الزمن يتحلقون في حُفر الماضي السحيق البائد، ويمضغون ما قاله من هم في حُفر القبور.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زفرات اللغو زفرات اللغو



GMT 06:50 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ

GMT 06:48 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 06:45 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 06:43 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 06:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 06:40 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 06:38 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 06:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

أميركا والفضائيون... أسرار الصمت المدوي

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني
  مصر اليوم - مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 17:46 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة

GMT 13:03 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

فولكس فاجن تكشف عن أسعار أيقونتها Passat موديل 2020

GMT 17:41 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

الفنانة مريم حسن تتعاقد على بطولة مسلسل "أبو جبل"

GMT 23:17 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

دورة تحكيم في جمباز الأيروبيك بالاتحاد الدولي للجمباز

GMT 16:26 2019 الثلاثاء ,15 كانون الثاني / يناير

دراسة تؤكّد أن الهاتف المحمول أقذر بـ7 أضعاف من مقعد المرحاض

GMT 04:58 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد تستعد لأول مسلسل مع خطيبها الفنان أحمد فهمي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon