توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الجنرال جياب الأسطورة الفيتنامية

  مصر اليوم -

الجنرال جياب الأسطورة الفيتنامية

بقلم : عبد الرحمن شلقم

خمس وأربعون سنة مرَّت على نهاية الحرب الطويلة والدامية التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية على فيتنام.
في شهر أبريل (نيسان) سنة 1975 دخلت قوات الثوار الفيتناميين مدينة سايغون وفرَّ الجيش الأميركي هارباً عبر البحر والجو.
أربعة عقود ونصف مرَّت على حدث له مكان في تاريخ البشرية كلها. فيتنام تكوينٌ فريد، فعندما تقرأ عنها، تحسُّ أن كلَّ شيء فيها كائنٌ حيٌّ، الناس والأرض والأشجار والأنهار والتراب... كل شيء له حواس. جغرافية الأوطان تشكّل زمناً خاصاً لها، وتجعل من الناس جزءاً من الأرض. فيتنام وضعتها الجغرافيا بين سيقان الكبار وأدرعها القريب منهم والبعيد. تقاذفها الزمن من غزو واستعمار لآخر. الصين واليابان وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية غزت الأرض الفيتنامية، ولكن شعبها الذي يفيض بوطنية لا تبرد ولا تقبل سيطرة الغازي، صار قوة نيران لا تتوقّف عن القتال، وتحالفت معه الأرض ما فوقها وما تحتها. الأرض الأسطورة تلد رجالاً يتحرك في أجسادهم وعقولهم التراب والماء والجبال والشجر، ويتنفس الوطن في صدورهم.
هوشي منه الرجل الذي أسس حركة المقاومة بعقل وفكر استطاع أن يعبئ كلَّ الشعب لخوض معركة متواصلة من التحرير والوحدة، شكَّل مع الجنرال فونجوين جياب ثنائي السياسة والسلاح. الجنرال النحيف المتواضع، ألحق بالقوات الفرنسية الضاربة المحتلة لفيتنام هزيمة تربَّعت في التاريخ العسكري والإنساني. معركة ديان بيان فوالتي اندحرت فيها فرنسا، وغادرت الأرض الفيتنامية منكسرة مدمرة حاملة في فمها ورأسها اسم ذلك الجنرال الأسطورة جياب.
بعد هزيمة فرنسا انقسمت فيتنام إلى شمال وجنوب. اتفق هوشي منه مع زعيم الجنوب على توحيد الشطرين، لكن الولايات المتحدة الأميركية اغتالت زعيم الجنوب، وشنت حرباً شاملة على الشمال الشيوعي.
لا تخلو بلد من نبت خاص يحمل في كيانه نبضَ الأرض وأنفاسَ الناس، وكثيراً ما يكون هذا النبت الإنساني استثناء في الزمان والمكان والفعل. فيتنام أعطت لأرضها وزمانها رجلين قارعا قوات دول كبرى، اليابان وفرنسا وأميركا وحققا انتصارات إعجازية غير مسبوقة وهي بحجم حروب عالمية. الرجل السياسي هوشي منه وصنوه العسكري الجنرال فنجوين جياب. كل منهما أبدع تكوين حياته بعصامية وجلد، لتكون قوة مقاومة من أجل الحرية ووحدة الوطن. بدأ الجنرال جياب حياته السياسية داخل الحركة الطلابية واعتقله الفرنسيون، وبعد الإفراج عنه التحق بمدرسة فرنسية وبعد تخرجه عمل مدرساً. اهتم منذ طفولته بكل ما له علاقة بعلوم الحرب وفنونه ولقَّبه زملاؤه بنابليون بونابارت، وكأنهم يدركون أنَّ زميلهم سيقود حروباً واسعة وطويلة، وسينتصر فيه متفوقاً على أسطورة بونابارت الذي كسرته الهزائم. توطَّدت علاقة الجنرال بالقائد السياسي هوشي منه الذي أوكل إليه مهمة تأسيس جيش التحرير الفيتنامي، وبعد أن حقق خطوات مهمة في تأسيس جيش التحرير تولى وزارة الدفاع. لم يدخل الجنرال جياب أكاديمية عسكرية، بل كان هو ذاته الأكاديمية التي علَّمها وتعلم فيها. درس تاريخ العسكرية الفيتنامية القديمة والمعارك التي خاضتها ضد الصين، ودرس حروبَ نابليون وكتبَ القادة العسكريين الصينيين وحرب العصابات، لكنَّه أبدع من كل تلك الدراسات مدرسته الخاصة في الحرب التي ترتكز على طوبوغرافيا بلاده وشخصية وتكوين شعبه. وظَّف نظريات الحرب الصينية التي تقوم على التضاريس واستعمال الكمائن، لكنه أدخل عليها تعديلات تتماشى مع طبيعة الأرض الفيتنامية. أخذ من خطط نابليون العسكرية تكتيك المفاجأة، ولكن بأسلوب متحرك وسريع. كل معركة يدخلها الجنرال جياب يضيف إلى تكتيكاته، ويغيّر فيها بحيث لا يستطيع العدو أنْ يتنبأَ أو يتوقع تحركاته على الأرض.
في معركة ديان بيان فو استعمل جياب تكتيكاً من إبداعه وهو الحرب الواسعة والمستمرة، استمرت المعركة 56 يوماً من دون توقف ليلاً ونهاراً ومن دون أن يهدأ صوت السلاح دقيقة واحدة، وألحق بالقوات الفرنسية هزيمة فادحة أرغمت الجيش الفرنسي على الانسحاب من الهند الصينية. بعد هزيمة الفرنسيين ومغادرتهم دخلت الولايات المتحدة الأميركية بقواتها الضخمة، ومعداتها الحديثة المتطورة والمعقدة إلى فيتنام الجنوبية.
في مواجهة القوات الأميركية أبدع الجنرال جياب تكتيكاً عسكرياً جديداً. طريق هوشي منه إبداع عسكري فيتنامي غير مسبوق، كان هو الطريق لهزيمة القوات الأميركية في فيتنام. شبكة طويلة وواسعة ومتشعبة من المسالك والطرق الصغيرة والأنفاق بطول 20330 كم، جزءٌ منها خُصّص لتضليل الجنود الأميركيين. طريق هوشي منه شريان التموين ونقل السلاح للثوار بالجنوب. كان أغلبُ الثوار حفاةً، وقال الجنرال جياب إنَّ أقدام الثوار خُلقت من حديد. قاد جياب عملية - تيت - التي هاجمَ فيها مائة هدف أميركي في وقت واحد في جميع المدن الفيتنامية، وتواصلت المعارك ضد القوات الأميركية إلى أن غادرت القوات الأميركية سايغون في 30 أبريل 1975. كان جياب عاصفة الفكر والحركة ويبقى اسماً ورمزاً للوطنية والعبقرية العسكرية.
الجنرال الأسطورة جرى تهميشه سياسياً وأبعد عن قيادة الحزب الشيوعي بعدما تولى جيل جديد من الشباب قيادة الحزب، لكنَّه بقي رمزاً واسماً في قلوب أبناء شعبه. يُعد واحداً من أعظم عشرة من القادة العسكريين في تاريخ العالم. فيتنام الأسطورة أنجبت أكثرَ من أسطورة، وتبقى معاركها من أجل الحرية وتوحيد البلاد إرجام ضوء في مسار البشرية، ويبقى الجنرال جياب الأسطورة التي تسكن التاريخ والزمن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجنرال جياب الأسطورة الفيتنامية الجنرال جياب الأسطورة الفيتنامية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon