توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غياب في الخطوات

  مصر اليوم -

غياب في الخطوات

بقلم : عبد الرحمن شلقم

المجدُ عند الغانياتِ رغيبة يُبغى
كما يُبغى الجمالُ ويعشقُ
زُفتْ إلى ملكِ الملوكِ يحثها
دينُ ويدفها هوى وتشوقُ
هكذا صور الشاعر أحمد شوقي ابتهاج عروس النيل التي يُلقى بها في اليم وهي تغرق في قاع المجد والموت الفريد. وقف الشاعر أحمد شوقي في قصيدته الطويلة عند تلك الحالة الإنسانية الفرعونية القديمة التي تحول المأساة إلى قمة الاحتفال، وكان يستعرض صفحات الحضارة المصرية، أجاب عن سر عظمة الإغراق العمدي الذي تتسابق عليه الغانيات الحسناوات بالقول:
وإذا تناهى الحبُّ واتفق الفدا
فالروحُ في باب الضحية أليقُ
كثيراً ما تكون المسافة بين الشهادة والانتحار معدومة.
ما يبدو غريباً عند فرد ما يكون رائعاً، وما يكون شنيعاً عند هذا يكون روعة الروعة عند آخر. تلك هي قوانينُ الصيرورة في الوجود. الخيرُ والشرُ، لا يمثلان التناقضَ دائماً، وكذلك الشجاعة والجبن، قُل الشيء نفسه عن الكرم والبخل والفضيلة والرذيلة، فالتعري عند بعض الأقوام سلوك اجتماعي وأخلاقي معتاد محبب ولا يستدعي أي نفور.
الثقافة وحزم القيم الاجتماعية والأخلاقية، ليست دائماً كتلة حجر صماء، للزمن فعله، والتطورُ له أكثر من توجه واتجاه.
لقد اعتقد البلاشفة الشيوعيون اعتقاداً موصداً أنهم حققوا قمة الأمل الإنساني بوصولهم إلى السلطة، وأن النعيم الأرضي صار كياناً معيشاً، وهكذا فكر الفاشيون في إيطاليا والنازيون في ألمانيا، وقبلهم قال المستعمرون إنهم قد ساقوا أولادهم الجنود كي يموتوا من أجل زرع الحضارة والتقدم في أراضي البلدان المستعمَرة، وفي كل تلك الأطوار كان هناك من يغني لتلك الأفعال.
قلتُ لكِ كلَ ذلك ونحن نقرأ ألواح نفوسنا، فكلُ نفسٍ لوح، وكل يوم له أقلامُه، الزمن يقارع الأزمان الصغيرة التي تنشب فينا أشياءها، من الذي يحمل الآخر فوق كاهله، نحنُ أم الزمن؟
هذا السؤال إذا عبأنا عقولنا للإجابة عنه ستنتفض الخطوات وسترش زعازع الأيام غبارها الأصفر فوق خطواتنا، سيصاب النور بكآبة الأثقال. لنمضِ، وليكن الزمانُ رفيقاً صامتاً، لِمَ نوقظه؟! نحن في مملكته، وهو الملك الأبدي، يكفينا أنه قد تفضل علينا بالركوب في سفينة أيامه.
من لونكِ رأيُتك، من روحِك عرفتُ أن المسارَ قصيدة، وأنَّ الخطو همساتُ وحي. كانت الخطواتُ تقاسيم معزوفة الحنان، والأنفاس ترافقنا نحو حديقة الشجن الباردة. كم جمعتُ خيوط الألحان، وضعتُها فوق نهديك فغنَّت. لامست قطرات ضوء الفجر تعالت تنهيداتها، غنى الفجر عندما ترجل السنا الأبيض، غنيتُ، غنيتَ معي، غنى الفجرُ والخطوُ:
فضلت أعيش بقلوب الناس
وكل عاشق قلبي معاه، شربوا الهوى
وفاتولي الكأس من غير نديم أشرب وأيَّاه
عزَّتْ جمالك فين من غير ذليل يهواك
وتجيب خضوعي منين
ولوعتي في هواك.
كيف تنبت للضوء شفاه؟ كيف تتدفق الأنغام لمعات قبس تصدح؟! والخطواتُ رنينُ حديثٍ حميم، غبتَ في رعشاتِ الخطواتِ، صارت الخطواتُ نديماً تشرب ــ وأيَّاه ــ كأس الهوى، والمسافة نغماً يتهادى يلامس الخطوات، لا شيء يريد أن يفارق شيئاً. الخطوات، والمسافة والنغم وأنفاس الغرام، غلالة هوى تمدُّ همسها على حنين حي، الغياب هو الحضور الذي يصدحُ في اهتزاز الوجد اللذيذ.
لمَ نبكِ؟ البكاءُ لعبة تغييبٍ عبثية، نسكبُ فيها حنيناً نبتغيه لكنه يعاند، لا يأتي، إذا جاء المُشْتهى غادر الحنينُ إليه. تسيحُ الخطواتُ فوقَ الخفقِ التائه، تملأُ وجوداً متحركاً، للوجود ـ أناه ـ أناة ـ لها أقفالها، وكل ما هو ثابت أو متحرك وجود. لكن المشاعر هي أكثر أنواع الوجود تعقيداً وتركيباً. لا نعرف أبوابها، ولا نمتلك مفاتيحها، لا نستطيع أن نخلقها، بالكاد نستطيع اكتشافها، نكتشفها من خلال آثارها فينا. هل للحب خرائطُ تهدينا إلى الوصول إليه؟ السؤال نفسه نلقيه على الكراهية. تلك هي قوى الأسرار التي تنبت «الصيرورة»، صيرورة الحياة. كلما غبنا في الخطوات نحو الأشياء والأفعال، تجلت فينا، تجلت مشاعر وانفعالات، وأفعالاً، في الإدراك يكون الحضور، تنقشعُ أدخنة الغياب وتستعيد النفسُ بوصلة الوعي، الإدراك هو التطابق بين مكونات الحركة والإرادة، تتنزل المشاعر إلى واقع الحركة، الخطو وتندفع الحياة.
كيف يتكدس حطبُ الطموحِ ليُذْكي نارَ الجهدِ والكد؟ وكيف يتفاوت من فرد إلى آخر؟ الطموحاتُ شتى في المال وفي السلطة، في الإبداع في المجال الرياضي في الطقوس الدينية، حيث يتحول الزهدُ أحياناً إلى لذة تجعل الاستغناء عن اللذائذ متعة المتع. كيف يكون الموتُ اختياراً مقدساً يرحل له الفردُ؟ لِمَ يفجِّرُ نفسه ليقتل آخرين لا يعرفهم ولا يعرفونه، لا ثأر ولا تصفية حساب من أي نوع؟ هل هناك خلل في المنطلق أم في المقصد؟ هل يمكن أن نضع ذلك في خلايا الطموح أم في خلايا الخلل والمرض؟ وبأي حطب أوقد هذا القاتل المقتول طموحه؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غياب في الخطوات غياب في الخطوات



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon