توقيت القاهرة المحلي 22:38:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من يلعب بالنار!

  مصر اليوم -

من يلعب بالنار

بقلم - محمد الرميحى

المفارقة أن السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير إلى مناصريه، أعلن لهم أن قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لا يعنيه بشيء، سواء أدان ذلك الحكم فعل الاغتيال الذي قام به الحزب، ربما نيابة عن النظام السوري، لأحد أبرز القيادات اللبنانية الوطنية الإصلاحية في التاريخ الحديث، المرحوم رفيق الحريري قبل 13 عاماً، أم برأ الحزب من الإدانة... في استهانة واضحة بالقانون الدولي، «فالمحكمة لا قيمة لها عندنا» كما قال!

في ذات الأسبوع، يقوم «مشغلو حسن نصر الله» (والتعبير ليس فيه أي تجنٍ؛ لأن السيد حسن نصر الله نفسه في أكثر من خطاب اعترف أنهم «الإيرانيين» خلف كل التمويل والتأييد والقرار للحزب) باللجوء إلى محكمة العدل الدولية ليشتكوا الولايات المتحدة، على خلفية انتهاك الأخيرة معاهدة صداقة، تم توقيعها في عهد الشاه عام 1955 بين الولايات المتحدة وإيران!

أي مفارقة نشهدها في إطار التفاعلات السياسية في الشرق الأوسط المليء بالتناقضات. في الوقت الذي يستهزئ السيد حسن بالقانون الدولي، تلجأ طهران له! كيف يمكن تفسير ذلك بعيدا عن «الأجواء الافتراضية» التي تشاع بين العامة وتسببها السياسة الإيرانية في الجوار، وفي الفضاء العالمي، وما ينتج عنها من هلوسة سياسية؟! وإن أردنا الاستطراد، فإن جزءا من النظام الإيراني نفسه، أي القطاع العسكري، لا يهدد فقط بغلق مضيق هرمز، وهو فعل مضاد للقانون الدولي، ولكن أيضا بإغراق العالم بالمخدرات! في تناقض واضح للالتجاء إلى القانون الدولي، الذي ذهبت إليه الحكومة الإيرانية!

المراقبون يفسرون كل تلك التداعيات «من تهديدات حسن نصر الله إلى إقالة عدد من المسؤولين في حكومة روحاني، إلى استجواب روحاني نفسه، إلى اللجوء للمحكمة» بأن طهران وحلفاءها يمرون بأزمة عميقة، لعل شاهدها الأكثر تعبيرا ما نشر على الصفحة الأولى في هذه الجريدة «الاثنين الماضي»، وهي صورة العراك بين بعض أعضاء البرلمان الإيراني، وإقالة محافظ البنك المركزي بسبب تدهور سعر الريال!

في الموضوع الإيراني ينقسم المتابعون له، على الأقل العرب، إلى 3 أقسام، منهم المؤيد للنظام الإيراني، وفي تقديري هم قلة، وبالتالي يعتبرون أي كلمة نقدية باتجاهه أو باتجاه تابعيه أو السياسات التي يتبعها، قيادات وأفراداً، مساساً بـ«مقدسات»! وآخرون يعتبرون النظام والقوى التابعة له خارجين عن المسار التاريخي، وأمامهم طريق مسدود سياسياً، طال الوقت أم قصر. أما من هم في المنتصف فهم يرغبون في سماع كلمة تحليلية تفسر المشاهد المعروضة، وتتوقع سيناريوهات المستقبل.

طبعاً بعض الواقع الذي نشاهده أمامنا يصعب تفسيره، لأنه يصعب ربط الخيط التحليلي بعضه ببعض عقلا. فأن تكون الولايات المتحدة هي رأس «الشيطان الأكبر»، وهدف التنديد والوعيد طوال هذه السنين، ومن ثم شكايتها في محكمة دولية بدعوى أنها اخترقت معاهدة «صداقة» وُقعت قبل نصف قرن تقريباً من الزمن - يثير استغراب الأسوياء، ولكنه طبيعي في دوائر الحكم في طهران! 

من تصريح نصر الله والشكوى إلى المحكمة الدولية يظهر الاضطراب الذي ينتاب المعسكر الإيراني ومناصريه. وإن تفكّرنا في التهديد القادم من نصر الله (وبالمناسبة هو وصنوه عبد الملك الحوثي في صعدة، الوحيدان اللذان يخاطبان أنصارهما من وراء جُدر!) فهو في أحسن الأحوال للاستهلاك المقدم لأنصاره؛ فالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان سوف تصدر أحكامها، و«عدم اللعب بالنار» فات أوانه، وكل ما في يد السيد حسن نصر الله هو في الأغلب التهديد بـ«اغتيال من يختاره» بعد صدور الحكم على القريبين من يده وأيدي أجهزته، والموتى «لا يندمون ولا يلعبون بنار» كما يعرف هو ومن حوله؟! إذن كيف هو طريق اللعب بالنار، وقد شل الاقتصاد اللبناني بفضل سياساته، وأفقر معظم اللبنانيين، وتعطلت أجهزة الدولة، وأصبح معظم مناصري الحزب فوق القانون؟!

في دولة القبائل اللبنانية، قبيلة السيد حسن هي المتسيدة معظم النشاطات، بسبب وجود السلاح في يدها، وقد زجت بلبنان، الذي كان رفيق الحريري يحلم بأن يكون «سويسرا الشرق» إلى أتون النفايات والتلوث، وعلى حافة الفوضى والانهيار الاقتصادي! ترى من يلعب بأكثر من النار؟!

لقد تمددت تدخلات إيران في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن، وليس أي من هذه البلدان من استقر حاله أو حتى في طريقه إلى الاستقرار.

قراءة الوضع الدولي الحالي هي أن إيران فقدت كثيرا من أدوات المناورة، فهي لا تستطيع أن تقدم مبادرة تفك بها الأزمة التي تحوطها، فالأزمة تتصاعد في الداخل وفي الجوار، وتنضب الموارد التي يمكن أن توفرها الدولة لمناصريها في الخارج، كما لا تستطيع أن تنفذ ولا حتى أدنى حد من تهديدها بإغلاق المضايق. 

على الجانب الآخر... لا حرب مباشرة في الأفق، أعني حربا ساخنة، بل هي حرب اقتصادية تتصاعد مع الأسابيع والأشهر القادمة، مع تزايد مؤشر عدم الرضا في الداخل الإيراني أو اليمني أو السوري والعراقي حتى اللبناني. والأخير نجده في خطاب حسن نصر الله الأخير، إذ قال: «شبابنا تكفيهم الإشارة للاندفاع إلى القتال»! إنها فقط تجارة الدم التي بقيت عملتها مفتوحة للمعسكر الإيراني وتابعيه، لا أكثر، وهي تجارة خاسرة لا ريب.

السيناريو المقبل هو الفشل في حشد أي تعاون دولي تغري به إيران وروسيا لـ«إعادة إعمار سوريا»... فسوف تبقى المدن والقرى السورية مخربة، وسوف يتصاعد عدم الرضا على الوجود الثنائي الروسي والإيراني من قطاعات واسعة من الشعب السوري، وسوف تتفاقم الأزمة السياسية والأمنية في العراق، وسوف يغرق جزء من الشعب اليمني في أوهام الحوثي، وسوف تمنع الأزمة المالية التي أسقطت العملة الإيرانية حتى الحضيض أي تمويل لجماعة الحوثي في اليمن أو «حزب الله» في لبنان. وقد ظهر ذلك في مظهرين، الأول لجوء الحوثي لوضع أكبر عدد من المدنيين في مواقع قتالية، من أجل محاولة استدرار عطف الإعلام العالمي، تغطية على الخسائر في الميدان ونقص التمويل، والمظهر الثاني النداء الذي أطلقة نصر الله بالتبرع من «الكرماء» المناصرين للحزب لتعضيد ميزانيته، وسوف يلجأ إلى الإكراه!

أمام هذه السيناريوهات يتبين أن حلم اليقظة للإمبراطورية الإيرانية في التمدد في الجوار قد قربت الصحوة منه!

آخر الكلام
إذا كانت «معاهدة الصداقة الإيرانية الأميركية» موجودة كل هذه السنوات، فلماذا تحملت الشعوب الإيرانية ومعها بعض الشعوب العربية كل هذه الأوجاع الهائلة وغير المسبوقة وما زالت تتحمل!

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من يلعب بالنار من يلعب بالنار



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon