توقيت القاهرة المحلي 11:08:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القضية والمنحدر الحاد!

  مصر اليوم -

القضية والمنحدر الحاد

بقلم : د.محمد الرميحي

في التاريخ العربي الحديث، الإشارة إلى «القضية»، تعني القضية الفلسطينية، وقد تركت منذ قرن تقريباً إلى اليوم، آثارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المدمرة على المنطقة كلها، وعلى العرب بشكل خاص، وتلك القضية ما زالت مؤثرة إلى العظم في النسيج الاجتماعي السياسي العربي.

ونحن اليوم نرى كم من العواطف الجياشة التي تحيط بما يحدث في غزة.

المعركة هي «حضارية، علمية» وليست معركة عواطف أو تمنيات، ولقد غاب عن معالجتها المنهج العقلاني، وحضر الكثير من الضباب العاطفي، وحتى شيء من «الشعوذة» وربما إلى يومنا هذا.

البعض يرى أنها معركة بين «الإسلام» و«اليهودية» وهذا فهم خاطئ، المعركة بين من يملك الأدوات المنهجية والضرورية والحديثة لخوض صراع وطني، ومن يفتقد تلك الأدوات أو كثيراً منها.

ليس جديداً القول إن الدولة الإسرائيلية رغم ما تحمله من شرائح مختلفة، هي ناتجة بالأساس من الليبرالية الغربية، رغم أنها تحمل معها شرائح مؤمنة بالتراث اليهودي والكتب المقدسة اليهودية، إلا أن من قاد الدولة وبنى هيكلها السياسي والاقتصادي هي الشريحة الأولى.

في المقابل، تغادر القوى الفلسطينية المختلفة التي تصدت لقيام الدولة الإسرائيلية منذ بذرتها الأولى، حتى قبل إعلانها رسمياً عام 1948 وما بعد، تغادر منشأها «الزراعي، الأبوي، التراثي» ببطء، فكان الاستعانة بالتراث من جهة، وبالعلاقات الأبوية من جهة أخرى، هي صلب ما قامت عليه المجموعات الوازنة الفلسطينية، منذ النشاشيبي الحسيني، إلى الفتحاوي الحماسي وما بينهما.

مع الاعتراف أن هناك «طليعة فلسطينية» متعلمة وعقولاً حديثة، إلا أنها ظلت شريحة مهمشة في الغالب، وبعيدة عن القرار، بل إن شخوصها طالهم الاغتيال على مر سنوات الصراع، ويكفي أن نتصفح كتاب باترك سيل، الكاتب البريطاني، وهو بعنوان «بندقية للإيجار» حتى نتعرف على الطريقة «الحمقى» التي عاثت اغتيالاً في العقول الفلسطينية التي كانت تقدم التفكير والمنهج الصحيح.

لعل أحد الأسماء المرموقة التي عالجت تلك المعضلة، أي بين البقاء في التفكير للمجتمع الزراعي الأبوي، التراثي، وبين ما يحتاجه العصر من أدوات، أعمال المبدعة الفلسطينية سحر خليفة في مجمل أعمالها الأدبية، وخاصة في الجزء الأول والثاني من كتابها «روايتي لروايتي»، فهي عندما تدرس مسيرة «النكبة» و«النكسة» وما بينهما من أحداث، ترى أن الخروج من «القمقم» كما سمته هو الاعتراف أن «هزيمتنا ليست سياسية وعسكرية فحسب، لكن أيضاً اقتصادية، اجتماعية، ثقافية ونسوية» وترى أن التحرير هو الخروج من «الميراث الزراعي الأبوي التراثي والذكوري» وتشير كمثال أن «قضية المرأة وتحررها من القيود» لم تلتفت لها الحركات التحررية الفلسطينية، بل تركت أسيرة القيم التقليدية، «فارتاحت القيادة إلى ثناية الولاء والانقياد»!

في الحقيقة أن النخب الفلسطينية الواعية لم تكن هدفاً «للغلاة الفلسطينيين» فقط، بل أيضاً كانت هدف اغتيالات إسرائيلية منظمة، لتفريغ المجتمع الفلسطيني من العقول التي تفهم صلب الصراع وتقاومه بمثل أدواته. ربما قليلون يعرفون أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى كانت بقيادة النساء، ربيحة ذياب، اسم مطفئ في التاريخ الفلسطيني، ولكنها كانت القائدة وقت ذاك عام 1988 عندما كانت القيادات مشتتة خارج ساحة المعركة، ولكن تلك الانتفاضة كما غيرها من الثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب الفلسطيني، لا تؤتي أُكلها السياسية بسبب فقدان البوصلة السياسية الحديثة.

اليوم في معركة غزة، يبدو أن الرابح هو غير الفلسطيني في الجوار، وكل ما يطرح هو تبادل الأسرى، وربما استئناف العصف العسكري الإسرائيلي الهمجي، لم يطرح الطلب الأساسي وهو دولة مدنية ديمقراطية حديثة، يتساوى فيها المواطنون والمواطنات، ذلك ربما بعيداً عن التفكير الذي لم يفارق مخرجات المجتمع الزراعي الأبوي التراثي والاستحواذي، غياب من يقرأ الواقع ويبتكر الأدوات المناسبة له هو المفتقد، فتذهب تضحيات كبرى سدى!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القضية والمنحدر الحاد القضية والمنحدر الحاد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon