توقيت القاهرة المحلي 19:48:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القضية والمنحدر الحاد!

  مصر اليوم -

القضية والمنحدر الحاد

بقلم : د.محمد الرميحي

في التاريخ العربي الحديث، الإشارة إلى «القضية»، تعني القضية الفلسطينية، وقد تركت منذ قرن تقريباً إلى اليوم، آثارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المدمرة على المنطقة كلها، وعلى العرب بشكل خاص، وتلك القضية ما زالت مؤثرة إلى العظم في النسيج الاجتماعي السياسي العربي.

ونحن اليوم نرى كم من العواطف الجياشة التي تحيط بما يحدث في غزة.

المعركة هي «حضارية، علمية» وليست معركة عواطف أو تمنيات، ولقد غاب عن معالجتها المنهج العقلاني، وحضر الكثير من الضباب العاطفي، وحتى شيء من «الشعوذة» وربما إلى يومنا هذا.

البعض يرى أنها معركة بين «الإسلام» و«اليهودية» وهذا فهم خاطئ، المعركة بين من يملك الأدوات المنهجية والضرورية والحديثة لخوض صراع وطني، ومن يفتقد تلك الأدوات أو كثيراً منها.

ليس جديداً القول إن الدولة الإسرائيلية رغم ما تحمله من شرائح مختلفة، هي ناتجة بالأساس من الليبرالية الغربية، رغم أنها تحمل معها شرائح مؤمنة بالتراث اليهودي والكتب المقدسة اليهودية، إلا أن من قاد الدولة وبنى هيكلها السياسي والاقتصادي هي الشريحة الأولى.

في المقابل، تغادر القوى الفلسطينية المختلفة التي تصدت لقيام الدولة الإسرائيلية منذ بذرتها الأولى، حتى قبل إعلانها رسمياً عام 1948 وما بعد، تغادر منشأها «الزراعي، الأبوي، التراثي» ببطء، فكان الاستعانة بالتراث من جهة، وبالعلاقات الأبوية من جهة أخرى، هي صلب ما قامت عليه المجموعات الوازنة الفلسطينية، منذ النشاشيبي الحسيني، إلى الفتحاوي الحماسي وما بينهما.

مع الاعتراف أن هناك «طليعة فلسطينية» متعلمة وعقولاً حديثة، إلا أنها ظلت شريحة مهمشة في الغالب، وبعيدة عن القرار، بل إن شخوصها طالهم الاغتيال على مر سنوات الصراع، ويكفي أن نتصفح كتاب باترك سيل، الكاتب البريطاني، وهو بعنوان «بندقية للإيجار» حتى نتعرف على الطريقة «الحمقى» التي عاثت اغتيالاً في العقول الفلسطينية التي كانت تقدم التفكير والمنهج الصحيح.

لعل أحد الأسماء المرموقة التي عالجت تلك المعضلة، أي بين البقاء في التفكير للمجتمع الزراعي الأبوي، التراثي، وبين ما يحتاجه العصر من أدوات، أعمال المبدعة الفلسطينية سحر خليفة في مجمل أعمالها الأدبية، وخاصة في الجزء الأول والثاني من كتابها «روايتي لروايتي»، فهي عندما تدرس مسيرة «النكبة» و«النكسة» وما بينهما من أحداث، ترى أن الخروج من «القمقم» كما سمته هو الاعتراف أن «هزيمتنا ليست سياسية وعسكرية فحسب، لكن أيضاً اقتصادية، اجتماعية، ثقافية ونسوية» وترى أن التحرير هو الخروج من «الميراث الزراعي الأبوي التراثي والذكوري» وتشير كمثال أن «قضية المرأة وتحررها من القيود» لم تلتفت لها الحركات التحررية الفلسطينية، بل تركت أسيرة القيم التقليدية، «فارتاحت القيادة إلى ثناية الولاء والانقياد»!

في الحقيقة أن النخب الفلسطينية الواعية لم تكن هدفاً «للغلاة الفلسطينيين» فقط، بل أيضاً كانت هدف اغتيالات إسرائيلية منظمة، لتفريغ المجتمع الفلسطيني من العقول التي تفهم صلب الصراع وتقاومه بمثل أدواته. ربما قليلون يعرفون أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى كانت بقيادة النساء، ربيحة ذياب، اسم مطفئ في التاريخ الفلسطيني، ولكنها كانت القائدة وقت ذاك عام 1988 عندما كانت القيادات مشتتة خارج ساحة المعركة، ولكن تلك الانتفاضة كما غيرها من الثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب الفلسطيني، لا تؤتي أُكلها السياسية بسبب فقدان البوصلة السياسية الحديثة.

اليوم في معركة غزة، يبدو أن الرابح هو غير الفلسطيني في الجوار، وكل ما يطرح هو تبادل الأسرى، وربما استئناف العصف العسكري الإسرائيلي الهمجي، لم يطرح الطلب الأساسي وهو دولة مدنية ديمقراطية حديثة، يتساوى فيها المواطنون والمواطنات، ذلك ربما بعيداً عن التفكير الذي لم يفارق مخرجات المجتمع الزراعي الأبوي التراثي والاستحواذي، غياب من يقرأ الواقع ويبتكر الأدوات المناسبة له هو المفتقد، فتذهب تضحيات كبرى سدى!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القضية والمنحدر الحاد القضية والمنحدر الحاد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 10:53 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يترأس اجتماع المجموعة الوزارية الاقتصادية

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النيابة العامة تُغلق ملف وفاة أحمد رفعت وتوضح أسباب الحادث

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الزمالك يتأهل لربع نهائي دوري مرتبط السلة علي حساب الزهور

GMT 10:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز اتجاهات الديكور التي ستكون رائجة في عام 2025

GMT 22:30 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

5 قواعد لإتيكيت الخطوبة

GMT 14:43 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

أحمد مالك وطه دسوقي يجتمعان في "ولاد الشمس" رمضان 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon