توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اللوبي العربي الغائب!

  مصر اليوم -

اللوبي العربي الغائب

بقلم : د.محمد الرميحى

ليس في ذاكرتي أن هناك ورقة عمل قدمت لاجتماع وزراء الخارجية العرب أو حتى وزراء خارجية دول الخليج تتحدث عن ضرورة إنشاء «لوبي عربي أو خليجي» في واشنطن، أو أي عاصمة غربية مؤثرة تتمتع بهامش من القدرة على حرية الحركة، في حين أن هذا الأمر هو من أولى أولويات «حفظ المصالح»، وهو أمر مقنن، على الأقل في الولايات المتحدة. جهود العرب في هذا المضمار «مؤقتة وهي من قبيل ردات الفعل وفي الغالب فردية».
في ذاكرتي الجهود التي بذلت في سبعينات القرن الماضي بإنشاء «المنظمة العربية الأميركية» المعروفة بـ«AAA»من العرب القاطنين في الولايات المتحدة والناشطين في الشأن العام، ما لبثت تلك المنظمة أن نخرتها الخلافات من جهة، والإهمال من الدول العربية التي كانت متحمسة من خلال سفرائها في واشنطن من جهة أخرى، وبعدها كانت «اللجنة الإعلامية النفطية»، فبعد تأميم وارتفاع أسعار النفط، تنادت دول خليجية لإنشاء منظمة تم تكوينها على عجل من خلال مندوبين من وزارات الإعلام، نشطت لفترة في شرح المشروعات التنموية للجماعات السياسية الأوروبية والأميركية، ومثل سابقتها سرعان ما أصابها الهرم وتلاشت من دون حتى أن يعلن عن نهايتها!

إن الحديث عن اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة أو مجموعات الضغط الإسرائيلية في كل من باريس ولندن من بين أماكن أخرى، فذلك ملف آخر متشعب له علاقة بوجود قديم لأصحاب الديانة اليهودية في تلك المجتمعات والتنظيم الحديث الذي تبنته الدولة الإسرائيلية في الدفاع عن مصالحها، وبشكل مؤسسي، وهي جماعات منظمة تتعامل ليس مع السياسيين فقط بل والإعلام والمجتمع الأكاديمي.
إلا أن اللافت هو اللوبي الإيراني، الذي يجند العديد من الإيرانيين القوميين للدفاع عن مصالح إيران، حتى لو لم يكن لهم إيمان كامل بالتنظيم السياسي في طهران، فهناك مجموعة من الأكاديميين والنشطاء (في الغالب من اليسار الإيراني القديم) تنشط بشكل منظم لشرح ومن ثم الدفاع عن مصالح إيران، بعضهم مدخله ثقافي والآخر سياسي والثالث اقتصادي، ورغم العداء الرسمي من الإدارات السياسية الأميركية (على خلاف توجهاتها) للنظام الإيراني القائم، إلا أن تلك المجاميع لها تأثير ويتوسع في الإقناع حتى أن بعضها دخل إلى البيت الأبيض.

من خبرة شخصية في العلاقات الإنسانية وأهمية التواصل الإنساني، حيث كنت رئيساً لتحرير جريدة «صوت الكويت» في لندن إبان الاحتلال العراقي للكويت، وبتوصية من المسؤول عن العلاقات الثقافية الكويتية في تونس، حضر إلى مكتبي شاب من تونس للحديث حول أحداث الساعة، وهي الاحتلال، قلت له متعجباً إن تونس هي درة التاج في التعاون الكويتي العربي، فقد بنت طرقاً ومحطات كهرباء ومؤسسات اقتصادية وتنموية عديدة لأهلنا هناك، فكيف يمكن للحكومة التونسية وقتها (زين العابدين بن علي) أن تأخذ هذا الموقف المساند لاحتلالنا!
رد الرجل قائلاً: نحن نعرف أشخاصاً من العراق، ونحضر ندوات متعددة في مهرجانات عراقية مختلفة، وبالتالي نتعرف على الناس ونرتبط بصداقات معهم. نحن لا نعرفكم، وقليل منا يعرف أن هذه الطريق بنيت من الكويت، أو تلك المحطة الكهربائية كانت مساعدة تنموية لتونس، لأن الاتصال البشري محدود.
ذلك النقاش الذي بقي في ذاكرتي حتى اليوم، يؤكد أن العلاقات الإنسانية مهمة بل أساسية لبناء تواصل مع الآخرين. لقد حاولنا في وقت ما أن نعوض ذلك بإقامة العديد من الندوات المختلفة لجميع المهتمين، خصوصاً في القطاع الثقافي، إلا أنه مع الزمن تضاءلت أو نسيت الفلسفة من تلك التجمعات!!

فإن لم أكن أعرفك على المستوى الإنساني، وأتفهم مخاوفك، وأشارك في طموحاتك، فأنت إما غريب عني أو حتى «غير موجود»، فتصبح الصورة الذهنية لك والمشوشة والمبثوثة من آخرين هي ما يبقى من تصوري عنك.
كما أن القوى المعادية من مصلحتها تشويه وشيطنة الآخر (الذي هو العرب)، خصوصاً عرب الخليج، وتعظم كثيراً من السلبيات بل تضخمها، وتخفي أي إيجابيات حتى لو كانت ظاهرة.
لعل ما يدلل على ذلك في هذا الوقت تلك الأسئلة التي يسألها الإعلام الغربي (أو شريحة منه) للمسؤولين الغربيين، على مشارف اجتماع قمة عربية - أميركية. تجد أن تلك الأسئلة تقدم لإحراج السياسي من جهة، وشيطنة مجتمعاتنا من جهة أخرى، وهناك من السياسيين من تنقصه المعلومات (أو حتى الاهتمام) فيرتبك أمام السائل، إلى درجة أن يترك انطباعاً للمتلقي أن ما يفترضه ذلك السائل صحيح لا عوار فيه!

خلق لوبي ليس فقط تنشيط العمل الدبلوماسي، فهو وإن كان نشطاً فهو يعتمد على تدريب الأفراد وقدرتهم على الحركة، وأيضاً على امتلاكهم لناصية لغة البلد الذي يعملون فيه، وهنا نلمس نقصاً معيباً في التمكن من اللغات لشريحة كبيرة من دبلوماسيتنا العربية.
مجالات أخرى واسعة يمكن توظيفها، منها تثقيف وطني لمجاميع الطلاب الذين يقصدون تلك المجتمعات للدراسة، على أن يكون كل طالب وطالبة رسلاً يشرحون بلا كلل ما يحدث في مجتمعاتهم وما يحملونه من طموحات. وهناك مجال آخر غير مستغل وربما غير مفكر فيه، وهو التبادل الأكاديمي بين الجامعات، وهي هنا مع الأسف في حدها الأدنى أو غير مفعلة، حيث لا توجد خطط منظمة لفعل ذلك في جامعتنا. وأخيراً هناك عدد من المؤسسات الدولية التي يشغل فيها العرب نسبة متواضعة من هيكلها الإداري أو الفني.

المسكوت عنه في هذا الملف هو نقص التفاعل لدى أصحاب الرأسمال العربي، وهم كثر ولهم استثمارات ضخمة، فعزوفهم عن وضع ميزانيات مجزية لخدمة هذا الملف، سواء في ابتعاث أكاديميين أو تنظيم لقاءات أو حتى تمويل كراسٍ بحثية يشغلها عرب في مجال العلوم الاجتماعية لرفد وعي مستمر، ولشرح القضايا العربية، وتفنيد الصور المشوهة عن أهلهم، وكل ذلك متاح في الفضاء القانوني الغربي بشكل عام يمكن بسهولة بناء المؤسسات وتجسير الترابط الإنساني من خلالها.
فهم الآخرين المنحرف عن ثقافتنا ومشاركتنا الإنسانية مسؤول عنه نسبياً تقاعسنا في استخدام الأدوات الحديثة والمتاحة لبناء كوادر قادرة على التواصل ولديها لغة محلية وثقافة عامة توصل الرسالة.
آخر الكلام:
لا تنقصنا الموارد المالية ولا الإنسانية... ما ينقص هو الإرادة والتعامل العلمي في عصر سريع التغيير.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللوبي العربي الغائب اللوبي العربي الغائب



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon