توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا وقت للعزاء في إيران!

  مصر اليوم -

لا وقت للعزاء في إيران

بقلم : د.محمد الرميحى

على الرغم مما على السطح من أحداث في إيران، فإن البحث في العمق أن النظام الإيراني القائم يدخل في (أزمة هوية عميقة) فمشروع (أم القرى) الذي بشّر به عدد من القياديين ووضعوا الخطط لتنفيذه، يواجه ليس صعوبات فقط ومقاومة، ولكن استنزافاً، ذلك المشروع أن إيران في ظل ولاية الفقيه (الحكم الإلهي) تملك مشروعاً متكاملاً لقيادة المنطقة، وخاصة الجوار العربي، إلى مكان أفضل في رأيها.
إلا أن ذلك المكان الأفضل لم يتبلور، بل أصبح في الواقع المكان (الأسوأ)، سواء في زيادة الفقر والبطالة وانتشار الفساد، ليس في إيران فقط ولكن في كل بقعة لإيران نفوذ فيها.
أزمة الهوية وصفها المفكر الإيراني علي شريعتي، حيث صرف الجهد الذهني للتفريق بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي، والأخير هو (صيغة) إيرانية للمفارقة مع العرب، والتي كان ولا يزال يسمى إسلامهم لإيران (الغزو العربي). الأزمة بين العربية لغة العرب ولغة الإسلام، وبين إسلام يعتمد اللغة العربية و(يزدري العرب)! تكمن عقدة الهوية القائمة في إيران.
هذه العقدة لها تجليات مختلفة، فافتراق إيران منذ العهد الصفوي، عما كانت عليه إلى التشيع الصفوي هو محاولة تأكيد (الهوية الإيرانية)، وهي هوية لم تستطع العودة إلى ما قبل الإسلام، وبالتالي الانفكاك من آثار (الغزو) العربي، ولا هي قادرة على التعايش بين العربية لغة الدين وبين الحضارة الإيرانية التاريخية.
العودة إلى الإمبراطورية الفارسية هي ما يشكل اليوم المسكوت عنه في مشروع أم القرى، أي نفوذ تحت خليط ملون من التشيع والقومية، الأمر الذي جعل من الدولة الإيرانية بعد التخلص من الشاه أن تستنزف أموالها وطاقتها ودبلوماسيتها وكل قواها لتحقيق ذلك المشروع المتخيل.
مع مرور الوقت شعرت الشعوب الإيرانية أن (ليلها) سوف يطول، من هنا انفجرت الاحتجاجات والتي أصبح لها اليوم أشهر، هذه الاحتجاجات قدمت حتى الآن مئات الضحايا، سواء من قتل في الشوارع أثناء الاحتجاجات، أو من علق على المشانق، وأغلب الآخرين تم تعذيبهم حتى وصل ببعضهم الأمر أن (اعترفوا بما لم يفعلوا) فقط من أجل التعجيل بانتقالهم إلى العالم الآخر بعداً عن التعذيب اليومي الذي كانوا يلاقونه.
من الواضح أن (أزمة الهوية) وصلت إلى نهاية المطاف بعد صبر طويل من انتظار إصلاحات ما يقوم بها النظام، وتتكاثر اليوم القوى المناهضة للنظام والذي لا يبدو أن لديه أي قدرة على مواجهة ذلك الزخم الشعبي إلا من خلال آلة القمع من جهة، وتصدير المشكلات إلى الخارج إثارة للنعرة القومية من جهة أخرى، وهنا يذكّرنا التاريخ بإحدى مفارقاته، فقد كان القمع أحد أهم أدوات الشاه محمد رضا بهلوي في مواجهة مطالب التغيير، وقد كان لجهاز السافاك اسم مروع لدى الإيرانيين وقتذاك، إلا أن كل (القبضة الصلبة) لم تؤت أُكلها، بل على العكس كانت دافعاً للمقاومة والاحتجاج الداخلي، أما تصدير المشكلات إلى الخارج فهي تمتد من (شرطي الخليج) في الماضي، إلى الاحتجاج الرسمي على دورة الخليج في البصرة قبل أسبوع، وهو احتجاج يحمل كل معاني محاولة التغطية على المشكلات الداخلية.
اليوم يعود التاريخ ليكتب ما كتب في السابق مع زيادة في التطور التقني وطرق المقاومة، حيث أعلنت عدد من أسر المغدورين في الشوارع أو على منصات الإعدام أنهم لن يتقبلوا العزاء في أبنائهم كما قالوا ليس الآن ولكن في (يوم التحرير)!
يجري اليوم قتل المحتجّين في شوارع المدن الإيرانية وتعليق بعضهم على المشانق تحت تفسير فكرة تراثية (المفسدون في الأرض) وهو تعبير مطاط يستخدم من أجل تعميق سلطة كهنوتية مفارقة للعصر، وتعتقد أنها تتكلم باسم الخالق وتتحكم في رقاب ملايين من البشر ضاقوا ذرعاً بهذا النوع من التفسير التراثي المغيب لحرية الإنسان ومصالحه.
في الغالب فإنَّ مشروع أم القرى هو آخر المشاريع التي قامت على فكرة (الإسلام الحركي) والذي فشل، سواء كان بقاؤه في الحكم طويلاً كمثل السودان، أو قصيراً كمثل مصر وما بينهما، فقط النظام الإيراني هو الأطول زمناً في البقاء، حيث خلط بين الشهوة القومية والطموح الطائفي وكانت خلطة ناجحة إلى حين.
بدأ الحديث العلني بين قوى إيرانية أن فكرة (ولاية الفقيه) هي فكرة طارئة على التفكير الشيعي، وقد كانت موائمة لحشد ملايين البشر في ذلك الوقت لإطاحة نظام الشاه، إلا أن الزمن أثبت أن إطاحة دكتاتور من البشر لا يعني الإتيان بآخر يدّعي أنه يتمتع بسلطة إلهية، وبالتالي يجب أن يطاع، تاريخ الشعوب الإيرانية يقاوم انخراط الفقهاء في السياسة، هم فقط احتياط للتغير، ولكن لا يتوجب أن يقودوا التغيير ويتحكموا في السلطة العامة.
لقد كان منظر إطاحة عمامة المعممين في شوارع المدن الإيرانية دليلاً على سأم الشارع الإيراني من هذه الطبقة والتي تبين مع التجربة الطويلة أنها غير منزهة عن الفساد واستغلال النفوذ.
يختلط تياران معارضان في إيران اليوم، الأول المدرسة المفارقة لولاية الفقيه والتي هي محافظة، ولكن غير مقتنعة بشكل وأعمال الحكم القائم، وأخرى ليبرالية تنادي بشكل آخر مختلف من الحكم الحديث، إلا أن المشاهد أن الاحتجاجات التي تفجرت في إيران سوف تستمر بأشكال مختلفة، ولن يزيدها القمع أو محاولة مغازلة المشاعر القومية إلا إصراراً على مشروعها التغييري.
قامت الثورة الإيرانية على تحالف واسع أبرزه رجال الدين ورجال البازار والطبقة المثقفة ذات التعليم الغربي، من الواضح أن ذلك التحالف قد ضعف مع الوقت، وهو الآن قد تفكك، بقي العسكر الجدد القادمون في الغالب من الأرياف مع بعض رجال الدين، فأصبحت القاعدة الحاضنة للحكم ضعيفة، ومع زيادة الفقر والبطالة وتفشي الفساد، لم تعد تلك القاعدة بقادرة على حمل الحكم أكثر من توقها للتغيير.
آخر الكلام:
شعار (زن زندكي أزادي) المرأة الحياة الحرية أصبح شعاراً عالمياً وسوف تردده أجيال من الإيرانيين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا وقت للعزاء في إيران لا وقت للعزاء في إيران



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon