توقيت القاهرة المحلي 11:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحاجة إلى قراءة معاصرة للتراث!

  مصر اليوم -

الحاجة إلى قراءة معاصرة للتراث

بقلم : د.محمد الرميحى

السؤال الأكثر دقة هل نحن في حاجة إلى قراءة التراث الديني بصورة مختلفة عما يقدم حتى الآن؟ يقيني أن الإجابة هي بنعم ونعم كبيرة.
المعضلة التي نواجه أن هذا الملف «قراءة التراث» قد أصبح تقريباً من شبه المحرمات لا يلمسه إلا مندفع في التعصب للنصوص القادمة من القرون الماضية، أو آخر له غرض في التفسير السياسي، خاصة بعد أن طغى تيار واسع اسمه «الإسلام الحركي» على مقدرات شعوب المنطقة الإسلامية وخاصة العربية، فأصبح التراث وسيلة «صيد» المساندين والداعمين والتكسب المالي والسياسي.
ووجدت بعض الدول العربية أن «الإسلام الحركي» قد أقضّ مضجعها، وعطّلها عن التنمية من خلال المزايدة لكسب جمهور أغلبه غير محصن فكرياً، إلا أن هذه الأنظمة والحكومات لم تنتج البديل العقلاني، فلجات إلى التفاسير المضادة لتفاسير الإسلام الحركي جزئياً، ولكنها لم تخرج من البوتقة بالكامل، وأظنها ما زالت كما نشاهد في حيرة من أمرها.
ليس خافياً أن الإنسان بطبعه يحتاج إلى «دين» لأن حجم ما خفي من تفسير الظواهر الطبيعية والإنسانية أكثر مما عُلم، وكلما عُلم جزء من تلك الظواهر علماً يقينياً، ضاقت مساحة الحاجة إلى التفسيرات خارج العقل، ولكن الإنسان حتى اليوم لم يستطع أن يعرف كل ما وراء الظواهر الطبيعية والإنسانية، تلك واحدة، أما الثانية فرغم حاجة الإنسان إلى «الدين» فإن جماعات مختلفة في الدين الواحد فسّرت النصوص وكيفيتها حسب حاجتها ومصلحتها «تحت شعارات مختلفة»، على سبيل المثال الدين المسيحي فيه عشرات من الاجتهادات تتراوح بين الأرثوذكسية إلى البروتستانتية مروراً بالقبطية والمارونية وغيرها، وكذلك الإسلام وأيضاً أي دين آخر، أكان سماوياً أم دنيوياً.
الإشكالية التي نحن بصددها هي، إما أن يكون الاجتهاد الديني مساعداً على التطور، دافعاً للتنمية مروجاً الإخاء والمساواة الوطنية، قابلاً للتعددية، منتقداً الأخطاء ونافياً لخلط العادات والتقاليد بجوهر الدين، أو أن يستخدم النصوص في غير سياقها ويسوق تجارب وممارسات الماضي على ما يحدث اليوم ويُروج لها.
مثال في هذا المنوال قد يكون قادراً على تفسير ما سبق، فكثير من «الدعاة» يقدم لمحدثيه قصصاً وروايات حدثت قبل قرون، وكيف تم علاجها «من السلف»، ويدعو أن يكون علاج المشكلات التي ظهرت في العصر الحديث على شاكلة ذلك العلاج!
فلو قرر مثلاً الملك تشارلز الثالث ملك بريطانيا الحالي أن يعالج ظواهر سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية كما عالجها تشارلز الأول، لما بقيت رقبة في النخب البريطانية على جسم صاحبها. القصد هنا «اختفاء» عامل الزمن وتأثيره على الأحداث لدى الكثير من الدعاة والتي أصبح بعضهم من كثرة إبحارهم في الماضي «مجمدين عقلاً وروحاً» ويسعون إلى جر المجتمع إلى «غرفة التجميد» والعيش في القرون الوسطى.
لقد أخذ أشخاص مثل حسن البنا وسيد قطب والمودودي وأبو زهرة والشعراوي والقرضاوي لتسمية البعض، وعلى ما بينهم من اختلاف، أخذوا المجتمع والثقافة العربية إلى «حجرات التجميد الفكري» وبعضها متناقض، وقُدم قولهم على كل قول في السياسة والاجتماع والاقتصاد وفي العلاقات الدولية، كما جندوا الكثير من الناس في تجمعات «صلبة غير قابلة للنقاش»، وكان لدى بعضهم القدرة على «سحر» من يستمع إليهم دون مراجعة لا المفاهيم ولا المعاني في «دروشة شاملة» أخذت مجتمعات عربية إلى التهلكة، وفاض ذلك الأمر مع «ولاية الفقيه» التي تم في رحابها أكبر خلط بين التطرف القومي والتعصب المذهبي والمبني على «ازدراء الآخر» ونشر الكراهية.
المؤسف أن المشروع المضاد لهذا التيار الواسع لم يتبلور ولم يبذل في بحثه جهداً يستحق أن يشار إليه، لقد ارتبك الجميع أمام ذلك التيار، فوجدنا أن أنظمة تصل إلى حد الأزمة في إدارة الوطن تلجأ فجأة إلى ذلك الهامش من التغييب، كمثل «كتابة الله أكبر» على علم البعث العراقي العلماني! هو أحد أدلة الأزمة، وهناك غيرها، كمثل لجوء عبد الناصر إلى «إذاعة القرآن الكريم» ولو تم ذلك الأخير عن وعي لكان إيجابياً، إنما تركت لمجموعة من المفسرين التقليديين كي يزيدوا المجتمع اعتماداً على الغيبيات!
المشروع السياسي للجماعة الحركية هو مشروع انقلابي و«نكوصي» إلى الماضي كما حدث ويحدث في كل التجارب التي مرت والتي ما زالت قائمة، وما «الدعاة» في الغالب إلا أدوات لتغييب المجتمع ومن ثم التحكم فيه. أول قانون أريد تمريره في مجلس النواب المصيري أيام حكم الإسلام الحركي كان «السماح بختان البنات»! وما يقوم به الحوثي اليوم «وهو نوع من أنواع الإسلام الحركي الطائفي» لتغييب كل المفاهيم الإنسانية، في الأراضي اليمنية التي تحت يده من تغييب جماعي للعقل، وتقريب عبادة الزعامات، بالضبط كما يحدث في أفغانستان من إنكار لإنسانية المرأة!
تحوطنا اليوم تفسيرات تراثية مستبطنة من زمن قديم على أنها الأفضل للتطبيق، وهي عقلاً ليست صحيحة، فيحدثنا بعضهم عن «الحديث مع الجن» وآخرون عن قوى خارقة لدى بعض المتقدمين في التاريخ، وأن هناك اقتصاداً «إسلامياً» و«ملابس إسلامية» إلى آخر ما تُخدر به العقول في عالم يضرب الذكاء الصناعي قوى المجتمعات حتى المتقدمة، وتبدل فيه، على النطاق العالمي، الأدعية والأبخرة بمختبرات العلم والتجارب الإبداعية.
ما نحن بصدده من اختطاف العقل العربي وتغييبه لا يحتاج إلى معالجة أمنية، ما يحتاج إليه هو معالجة فكرية وثقافية لها أكثر من مدخل، أوله شجاعة نقد مدرسة «الماضي» فلم يكن جله ذهبياً أو متحضراً أو قابلاً للتطبيق اليوم، والثاني تعليم نقدي يأخذ الأفضل والأحوط وما ينفع الناس، المطلوب عودة إلى مدرسة «فقه المصلحة»، أما التقاعس عن مواجهة جماعات الإسلام الحركي والسير معهم في الصغيرة، كما يجامل البعض، فإن الصغيرة سوف تقود إلى الكبيرة وقتها لن ينفع الندم!
آخر الكلام:
الانتقاء السلبي من النصوص وتقديمها على أنها «الشامل والقاطع والصالح» هو سلب للعقول وتسويق سياسي يأخذ المجتمعات إلى الجمود.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحاجة إلى قراءة معاصرة للتراث الحاجة إلى قراءة معاصرة للتراث



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon