توقيت القاهرة المحلي 11:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رحل صاحب الجملوكيّة!

  مصر اليوم -

رحل صاحب الجملوكيّة

بقلم : د.محمد الرميحى

إنه سعد الدين إبراهيم، صاحب التعبير الأشهر في الحياة السياسية العربية، فقد كتب في مجلة "المجلة" في بداية القرن مقالة شرح فيها كيف تتحول الجمهوريات إلى ملكيات، بعدما ورث بشار الأسد الحكم من والده في الجمهورية السورية وقال: "إننا في عصر الجملوكية"، وقتها قال لأصدقائه إن بعض من في القصر الجمهوري المصري طلب حضوره، وكان السؤال الذي وجه إليه "كيف يمكن نقل السلطة إلى الابن؟". كان المرشح المفترض هو الابن الثاني للرئيس جمال مبارك، وهو كما نقل إبراهيم من تلاميذه.

عرفت الدكتور سعد الدين واشتركت معه في ندوات في الكثير مما نظم أو شارك فيها، وعندما سجن بتهمة حمقاء وهي أنه حصل على مال من الخارج لمؤسسته البحثية "مركز ابن خلدون"، كانت تهمه ملفقة، وتفسيري لسجنه الطويل الذي بدأ من عام 2002، أنه ليس إلا نوعاً من الانتقام على ما سرب عن اجتماع القصر، لأنه قال لبعض أصدقائه ذلك في الكويت، وأنا واحد منهم، فلا شك في أنه قاله لآخرين ربما في مصر من "أعدقائه" فنقل الخبر!! وقتها كتب بعض أصدقائه مقالات فيها شبه احتجاج على سجنه، ولكنها في الغالب تنتهي بـ"لكن" أي شيء من التبرير لاعتقاله، ربما خوفاً من جور السلطة، شخصياً كتبت في جريدة "الحياة الدولية" وقتها مقالة لنصرة سعد بعنوان "من غير لكن"! أي لا يجوز تحت أي ظرف تبرير سجن أستاذ معروف بمساهمته الفكرية المتميزة.

أول نشاط سعد كان في أميركا حيث نشط في تجمع اتحاد الطلاب العرب، كان رفيقه من أصبح بعد ذلك اليد اليمنى للرئيس حسني مبارك، وأقصد المرحوم أسامة الباز، إلا أن الأخير لم يكن بقادر على مساعدته وإخراجه من السجن، فعندما تقترب من الكبار وتمس طرفاً منهم حساساً جداً، عليك أن تتحمل المسؤولية.

نشط سعد في المجال العربي فكان من أنشط المساهمين في مؤسسة "مركز دراسات الوحدة العربية" التي كان يديرها المرحوم خير الدين حسيب، الصارم في العمل والصارم أيضاً في الأيديولوجيا، وقد أصدر عدداً من الكتب من خلال تلك المؤسسة في يقيني أنها سوف تبقى لطلابنا إلى حين طويل، أشهرها "النظام الاجتماعي العربي". في الحقيقة، كان سعد ناشطاً في الكتابة، فألّف ونشر عدداً كبيراً من الكتب، إما تحت اسمه أو بالاشتراك مع آخرين، كلها أو معظمها تحمل الهم العربي الموجع.

في وقت ما أصبح أمين عام منتدى الفكر العربي في عمان \ الأردن الذي رعاه الأمير الحسن بن طلال مبكراً منذ عام 1982، وتحت قيادته نشط المركز نشاطاً ملحوظاً، أكمل عمله بعد ذلك أساتذة كبار، منهم العليان، علي أومليل وعلي عتيقة.

ترك لنا سعد الدين سيرة ذاتية غنية اعتنى بكتابتها أحد الصحافيين العرب المتميزين هو الأستاذ السيد الحراني ونشرت عام 2015 في القاهرة، وقراءة تلك المذكرات تشير إلى انتقال سعد من موقع فكري إلى آخر ومساهماته الكثيرة خلف الأبواب المغلقة، كمثل توسطه بين الإخوان المسلمين المصربين والاستخبارات الأميركية مبكراً، كان يحظى بثقة الأوساط الأميركية كونه يحمل الجنسية الأميركية، وأيضاً زوجته الفاضلة أميركية، إلا أن ذلك التوسط كان في رأيه محاولة لحمل المجتمع المصري السياسي على قبول التعددية، كان ذلك من الأفكار المنتمية إلى التنظير الأكاديمي لا إلى الواقع، إذ إنه في فترة عمل هو وخير الدين حسيب على عقد سلسلة من الندوات، كانت الأولى في قبرص تحت تجمع اسمه "المؤتمر القومي العربي"، وكان أمينه العام حسيب نفسه. كانت الفكرة طوباوية: جمع اليسار العربي والوسط وأيضاً الإسلام الحركي في بوتقة فكرية واحدة، تحت تبرير أن ما تواجهه تلك الجماعات من مشكلات في أوطانها متشابه، وأن ما يفرقها إلا القليل، ذلك كان التنظير، ولكنه مفارق للواقع، وقتها قل اتصالي بالمؤسسة التي استمرت يديرها قوميون سابقون وحالمون! إلا أن مذكرات سعد غنية بالكثير من الأسرار. شخصياً عندما قرأتها فوجئت بتلك الأسرار التي سردها بسبب حب بعض الشخصيات المعروفة في وطننا العربي لشهرة الرجل نفسه وحبه هو أيضاً للاتصال بتلك الشخصيات من صدام حسين إلى ياسر عرفات، وشخصيات نسائية مشهورة إلى درجة أني هنا وأنا أنعاه، لا أستطيع تكرار بعض ما كتب في مذكراته عنها!

وقف سعد مع الكويت إبان احتلالها من النظام العراقي، وسخر قلمه لذلك، وأيضاً كان من ضمن القيادة الشعبية التي شكلت من مصريين وكويتيين في القاهرة أثناء الاحتلال لنصرة الكويت، وقد أشار بكثير من التفاصيل إلى هذه الفترة من نشاطه في مذكراته، ونال في وقت ما جائزة الكويت للتقدم العلمي، وهي جائرة تقدم للمبدعين في مجالات عدة، منها مجال الاجتماع، كما اشترك في لجان التحكيم بعد ذلك.

رحم الله صاحب الجملوكية، وسوف يبقى مكان اختلاف بين محبيه ومبغضيه، ولكنه كان قامة فكرية لا يمكن تجاهل إنتاجها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحل صاحب الجملوكيّة رحل صاحب الجملوكيّة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon