توقيت القاهرة المحلي 09:40:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رحل صاحب الجملوكيّة!

  مصر اليوم -

رحل صاحب الجملوكيّة

بقلم : د.محمد الرميحى

إنه سعد الدين إبراهيم، صاحب التعبير الأشهر في الحياة السياسية العربية، فقد كتب في مجلة "المجلة" في بداية القرن مقالة شرح فيها كيف تتحول الجمهوريات إلى ملكيات، بعدما ورث بشار الأسد الحكم من والده في الجمهورية السورية وقال: "إننا في عصر الجملوكية"، وقتها قال لأصدقائه إن بعض من في القصر الجمهوري المصري طلب حضوره، وكان السؤال الذي وجه إليه "كيف يمكن نقل السلطة إلى الابن؟". كان المرشح المفترض هو الابن الثاني للرئيس جمال مبارك، وهو كما نقل إبراهيم من تلاميذه.

عرفت الدكتور سعد الدين واشتركت معه في ندوات في الكثير مما نظم أو شارك فيها، وعندما سجن بتهمة حمقاء وهي أنه حصل على مال من الخارج لمؤسسته البحثية "مركز ابن خلدون"، كانت تهمه ملفقة، وتفسيري لسجنه الطويل الذي بدأ من عام 2002، أنه ليس إلا نوعاً من الانتقام على ما سرب عن اجتماع القصر، لأنه قال لبعض أصدقائه ذلك في الكويت، وأنا واحد منهم، فلا شك في أنه قاله لآخرين ربما في مصر من "أعدقائه" فنقل الخبر!! وقتها كتب بعض أصدقائه مقالات فيها شبه احتجاج على سجنه، ولكنها في الغالب تنتهي بـ"لكن" أي شيء من التبرير لاعتقاله، ربما خوفاً من جور السلطة، شخصياً كتبت في جريدة "الحياة الدولية" وقتها مقالة لنصرة سعد بعنوان "من غير لكن"! أي لا يجوز تحت أي ظرف تبرير سجن أستاذ معروف بمساهمته الفكرية المتميزة.

أول نشاط سعد كان في أميركا حيث نشط في تجمع اتحاد الطلاب العرب، كان رفيقه من أصبح بعد ذلك اليد اليمنى للرئيس حسني مبارك، وأقصد المرحوم أسامة الباز، إلا أن الأخير لم يكن بقادر على مساعدته وإخراجه من السجن، فعندما تقترب من الكبار وتمس طرفاً منهم حساساً جداً، عليك أن تتحمل المسؤولية.

نشط سعد في المجال العربي فكان من أنشط المساهمين في مؤسسة "مركز دراسات الوحدة العربية" التي كان يديرها المرحوم خير الدين حسيب، الصارم في العمل والصارم أيضاً في الأيديولوجيا، وقد أصدر عدداً من الكتب من خلال تلك المؤسسة في يقيني أنها سوف تبقى لطلابنا إلى حين طويل، أشهرها "النظام الاجتماعي العربي". في الحقيقة، كان سعد ناشطاً في الكتابة، فألّف ونشر عدداً كبيراً من الكتب، إما تحت اسمه أو بالاشتراك مع آخرين، كلها أو معظمها تحمل الهم العربي الموجع.

في وقت ما أصبح أمين عام منتدى الفكر العربي في عمان \ الأردن الذي رعاه الأمير الحسن بن طلال مبكراً منذ عام 1982، وتحت قيادته نشط المركز نشاطاً ملحوظاً، أكمل عمله بعد ذلك أساتذة كبار، منهم العليان، علي أومليل وعلي عتيقة.

ترك لنا سعد الدين سيرة ذاتية غنية اعتنى بكتابتها أحد الصحافيين العرب المتميزين هو الأستاذ السيد الحراني ونشرت عام 2015 في القاهرة، وقراءة تلك المذكرات تشير إلى انتقال سعد من موقع فكري إلى آخر ومساهماته الكثيرة خلف الأبواب المغلقة، كمثل توسطه بين الإخوان المسلمين المصربين والاستخبارات الأميركية مبكراً، كان يحظى بثقة الأوساط الأميركية كونه يحمل الجنسية الأميركية، وأيضاً زوجته الفاضلة أميركية، إلا أن ذلك التوسط كان في رأيه محاولة لحمل المجتمع المصري السياسي على قبول التعددية، كان ذلك من الأفكار المنتمية إلى التنظير الأكاديمي لا إلى الواقع، إذ إنه في فترة عمل هو وخير الدين حسيب على عقد سلسلة من الندوات، كانت الأولى في قبرص تحت تجمع اسمه "المؤتمر القومي العربي"، وكان أمينه العام حسيب نفسه. كانت الفكرة طوباوية: جمع اليسار العربي والوسط وأيضاً الإسلام الحركي في بوتقة فكرية واحدة، تحت تبرير أن ما تواجهه تلك الجماعات من مشكلات في أوطانها متشابه، وأن ما يفرقها إلا القليل، ذلك كان التنظير، ولكنه مفارق للواقع، وقتها قل اتصالي بالمؤسسة التي استمرت يديرها قوميون سابقون وحالمون! إلا أن مذكرات سعد غنية بالكثير من الأسرار. شخصياً عندما قرأتها فوجئت بتلك الأسرار التي سردها بسبب حب بعض الشخصيات المعروفة في وطننا العربي لشهرة الرجل نفسه وحبه هو أيضاً للاتصال بتلك الشخصيات من صدام حسين إلى ياسر عرفات، وشخصيات نسائية مشهورة إلى درجة أني هنا وأنا أنعاه، لا أستطيع تكرار بعض ما كتب في مذكراته عنها!

وقف سعد مع الكويت إبان احتلالها من النظام العراقي، وسخر قلمه لذلك، وأيضاً كان من ضمن القيادة الشعبية التي شكلت من مصريين وكويتيين في القاهرة أثناء الاحتلال لنصرة الكويت، وقد أشار بكثير من التفاصيل إلى هذه الفترة من نشاطه في مذكراته، ونال في وقت ما جائزة الكويت للتقدم العلمي، وهي جائرة تقدم للمبدعين في مجالات عدة، منها مجال الاجتماع، كما اشترك في لجان التحكيم بعد ذلك.

رحم الله صاحب الجملوكية، وسوف يبقى مكان اختلاف بين محبيه ومبغضيه، ولكنه كان قامة فكرية لا يمكن تجاهل إنتاجها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحل صاحب الجملوكيّة رحل صاحب الجملوكيّة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon