توقيت القاهرة المحلي 11:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فاطمة العدنية!

  مصر اليوم -

فاطمة العدنية

بقلم - محمد الرميحي

هذا الكتاب لا يمكن تلخيصه بشكل سهل لأنه يتناول موضوعاً معقداً، إلا أنه سلس القراءة. عنوان الكتاب "خمسة وعشرون يوماً الى عدن" نشر بالإنكليزية والعربية تقريباً في وقت واحد، وهو من تأليف الكاتب البريطاني مايكل نايتس وعنوانه الفرعي "القصة غير المروية لقوات النخبة العربية في الحرب". واضح أن الكاتب حصل على وثائق، ربما حتى حينه سرية، وسرد بسلاسة تأخذ الأنفاس قصة مجموعة صغيرة من القوات الإماراتية، فقط ثمانية أشخاص من الرجال الأشداء الذين أنزلوا الى البر، ودور هذه المجموعة كرأس حربة في تحرير مدينة عدن في الجنوب اليمني عندما هاجمتها قوات علي صالح متحالفة مع الحوثيين في مطلع عام 2015. 
 
السرد كما قلت يأخذ القارئ الى تلك الأجواء المشحونة، وينقل الكاتب وقائع ممَن شهد تلك الفترة مباشرة، معظم الأسماء المذكورة تحفظ الكاتب عن ذكرها كاملة، فقط اكتفى بالإشارة الى الاسم الأول أو الرتبة التي تحدث اليها، اذ ما زال بعضهم في الخدمة النشطة.
 
معظم القراء يعرفون اليوم، وقد بدأ اليمن يضع أولى خطواته ربما على طريق السلام المنشود، دور النظام الإيراني و"الحرس الثوري" وأيضاً "حزب الله" اللبناني في الحرب اليمنية التي أهلكت الحرث والنسل في اليمن، الجديد في الكتاب، وهو لافت وربما يعرفه قليلون، أن حركة الحوثي في اجتياحها اليمن بعد 2014 ما كانت تستطيع ذلك لولا تحالفها مع علي عبدالله صالح الذي كان قد خسر حكمه في اليمن فيما كان يمهد لتوريثه. 
 
علي صالح بنى خلال مدة حكمه الطويلة نسبياً مجموعة من المصالح وشبكة تحالفات واسعة، في القطاع الخاص ومع تجار، أكانت تجارة معروفة وقانونية أم حتى تجارة السوق السوداء التي تزدهر عادة في أنظمة الفساد، كما كان له حلفاء في الجيش اليمني من خلال شبكة الولاءات القبلية أو المناطقية. ولأن الحراك الشعبي الذي أطاحه هو حراك كبير يعرف ما لا يريد وهو الإطاحة بالنظام القائم وقتها، ولكنه لا يعرف ما يريد أو ليست له قيادة تأخذه الى النتيجة المحتملة بإقامة دولة. وقد خلق ذلك فراع قوة وصراع سلطة، ولم يكن لدى الدبلوماسية الخليجية من جهة أخرى الخيال الكافي، عندما توسطت لانتقال السلطة، لاكتشاف خطورة وضع النار بجانب الحطب، أي ترك علي صالح في صنعاء.
 
وجوده هناك جعل من السهل نسجه التحالفات في وجهة تحالف هش وغير قادر على الحكم وهو بالأساس حكم اليمن الصعب. 
 
إذاً، الكتاب يلقي ضوءاً بالأسماء والتواريخ على ذلك التحالف الشيطاني بين جماعات علي صالح (في التجارة و الجيش) وبين الحوثيين. كُل يرى أنه يستخدم الآخر، وعند اللزوم ربما إطاحته! فتح علي صالح من خلال مناصريه في الجيش معظم ما كان متوفراً من سلاح في عدد من القواعد اليمنية، والتي كانت تزخر بالذخيرة والمعدات ويقودها أو يعمل بها ضباط موالون للدولة العميقة التي بناها علي صالح لعقود من الزمن.
 
ذلك التحالف هو الذي مكن في السنوات الأولى من الصراع قوات صالح - الحوثي من اجتياح المدن الرئيسة ونقاط التقاطع في البر اليمني حتى وصلت الى عدن، بل والاعتداء على الجيران، وبخاصة الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، فكان أن أطلقت حملة "عاصفة الحزم"، وهي الحرب الجوية التي شنها الحلفاء على تحالف صالح - الحوثي.
 
الكتاب يركز على دور النخبة الإماراتية القليلة العدد والمدربة والتي اتخذ قرار بأن ترسل من خلال البحر محمولة على طوافات، وتنزل في مكان آمن على ساحل عدن. دافع المهمة هو أن الطيران مهما كان متفوقاً لا يحسم معركة، إنما المعركة تحتاج حتى ينجح الطيران في مهمته الى "عيون مدربة" على الأرض، كي تقود الطائرات الى أهدافها وتنظم المقاومة الداخلية.
 
وأمام اكتساح (تقريباً) قوات صالح - الحوثي مدينة عدن، عدا بعض الجيوب، اتخذ القرار بأن تتدخل قوات النخبة بعدد قليل من الرجال المدربين على أعلى درجات الجاهزية، والذين خاضوا معارك في مناطق مختلفة منها أفغانستان وغيرها من معارك شاركت فيها القوات الإماراتية.
 
وفي ليل دامس تسللت القوة الصغيرة من ثمانية أشخاص فقط الى الساحل العدني من أجل مهمتين: الأولى العمل على تقديم معلومات دقيقة عن تجمعات المهاجمين، والثانية التنسيق بين رجال المقاومة في الأحياء الشعبية التي شهدت في تاريخ سابق مقاومة أهل عدن للقوات البريطانية في ستينات القرن الماضي.
 
توصيف عمل "رأس الحربة" من قوات النخبة وبالتفصيل، والصعوبات التي واجهتها تلك المجموعة، ومن ثم النجاحات التي انتهت اليها الحملة تلك بردع القوات المتحالفة ومن ثم دحرها، هي قصة ذلك الكتاب التي يرويها بشيء من التفصيل والإثارة، وأيضاً بدقة في وصف الأجهزة المساعدة والتصميم السياسي من القيادة الإمارتية، والتي تجعل القارئ يصل الى حقيقة أن الحروب الحالية تعتمد على عدد من العناصر التي من دونها الفشل هو المؤكد، تلك العناصر هي القيادة الواعية والتي تفكر خارج الصندوق وأيضاً تأخذ المبادرة، والتدريب العالي المستوى للأفراد علماً وكفاءة، وإيمان أولئك الأفراد بقيادتهم، والأدوات الحديثة المتوافرة لهم لإنجاز المهمة، ولذلك فقد تم إخراج قوات تحالف صالح - الحوثي من عدن في 25 يوماً من بدء عملية الإنزال المحفوفة بالمخاطر على الساحل الضحل في ليل دامس على شواطئ عدن. 
 
أما قصة فاطمة فيخبرنا المؤلف أن زوجة هاشم السيد أحد قادة المقاومة اليمنية في عدن رزقت في الأيام الأخيرة من المعركة بابنة هي العاشرة في الأبناء وسمى ذلك القائد الوليدة باسم فاطمة على اسم والدة محمد بن زايد تيمناً وشكراً للقيادة الإماراتية التي أرسلت أول فريق صغير لقيادة العمليات الخاصة على الأرض، والذي سمي "فريق كوبر 101".
 
كتاب يستحق القراءة، بخاصة من العسكريين لما فيه من الدروس، ومن العامة لما فيه من العبر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فاطمة العدنية فاطمة العدنية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon