توقيت القاهرة المحلي 05:23:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عودة إلى المشهد الإيراني

  مصر اليوم -

عودة إلى المشهد الإيراني

بقلم : د.محمد الرميحى

يفرض المشهد الإيراني الذي تستمر صور حركة الرفض في شارعه وتتوسع وتتعاظم، العودة إليه من جديد، والشعوب عادة تتعلم من تجاربها.

في الانقلاب على الشاه محمد رضا بهلوي، وبعدما سخن الجو العام الشعبي ضده، اعتقد أنه سيكرر ما فعله قبل ذلك التاريخ بربع قرن تقريباً. كان ذلك في عام 1953، يهرب من البلاد إلى روما لفترة، ثم يعود بعد أن تعمل الأجهزة وظيفتها في القمع. لم يدر في خلده ولا في خلد مستشاريه وقتها أن الوضع قد تغير، فخرج عام 1979 ولم يعد.

درس الشاه استفاد منه النظام الذي تلاه والقائم على أطروحات مذهبية / دينية، بأن أدوات القمع يجب أن تستخدم إلى آخر رصاصة في البندقية وضد آخر متظاهر، ومن جديد لم يستطع أن يقتنع بأن الوضع قد تغير، ولم يتعظ من أن الشاه قبله كان يملك أقوى أجهزة القمع المعروفة وقتها وهي "السافاك".

التناقض في النظام القائم جلي، ليس لأنه يريد تطبيق مقولات وسلوكيات لم يعد لها قبول في المجتمعات الإيرانية، وتذكّرنا بما فعله رضا بهلوي عندما أجبر المصلّين في المساجد على استخدام الكراسي كما الكناس! بل حتى في التسمية (الجمهورية)، للمرة الأولى في التاريخ تصبح القيادة في جمهورية دائمة لشخص حتى وفاته، وربما أيضاً يورثها!!

ما نشاهده أمامنا على سبيل اليقين أن "القائد الدائم" أو "المجموعة القيادية" في أي دولة، الذي يكره الاعتراف بالأخطاء، لا يستطيع أن يصلحها، هذا ما مر علينا في ما عُرف بربيع العرب. الإنكار المطلق للتحولات التي حصلت في المجتمع تقود بالضرورة إلى تغيير القائم.

أحد الأخطاء الكبرى التي ارتكبها النظام الإيراني ولا يزال يرتكبها في حق شعبه، قائمة على الفكرة الخطأ التي قال بها الخميني منذ بداية الانقلاب (تهران نيست، بغداد نيست، إسلام هست) أي لا طهران ولا بغداد فقط إسلام، والتي بُنيت عليها نصوص في الدستور يمكن أن تضم على بعضها بعضاً في شعار "تصدير الثورة" وسيادة الأمة بقيادة رجال الدين على العالم. فإلى جانب فراغ تلك المقولة، إلا أنها خطرة. خامنئي زاد على ذلك الشعار بالقول تبريراً: "إن لم نحارب خارج إيران، فسنحارب داخلها"، أي أن تصدير الثورة ضرورة لبقاء النظام واتّقاء للأسوأ، أو بوليصة تأمين لثبات النظام واستمراره.

ما تبين أن تصدير الثورة خلق الفرص المتتالية للإخلال بالنظام، فقد شهد الإيرانيون أن ثروتهم المادية تُصرف على عملاء في الخارج لم يستطيعوا القبض التام على الدول التي هم مواطنون فيها، وإن استطاعوا أن يقعدوا الدولة التي هم فيها عن القيام بمهماتها. في الذهن لبنان الذي استولى فيه حزب مموّل بكل حاجاته من طهران، على أساس بيع فكرة تحرير فلسطين، وهي فكرة صدّقها فقط البسطاء، وبعد عقود من صرف المال الإيراني، شهدنا الحزب يشارك في التطبيع الفعلي من خلال ترسيم الحدود، أي لا حرب ولا عدوان ولا مناوشات حتى مع الجار الذي رسمت حدوده وسلمت إلى الأمم المتحدة، وتم شكر الولايات المتحدة علناً على جهودها! استخدم الحزب فقط بندقية للإيجار في حروب إيران في الجوار ومن قتل هم مواطنون لبنانيون!

في العراق خرّبت الدولة ولكن لم تخرب مقاومة المجتمع العراقي للنفوذ الإيراني، يكفي الاستماع إلى وسائل الإعلام العالمية وهي تصف الأحزاب الموالية لإيران بأنها تابعة، والمقاومة العراقية تتسع وتشمل معظم قطاعات المجتمع، كما تشهد عليه وسائل التواصل الاجتماعي العراقية.

أما تمويل الحرب الأهلية في اليمن فقد أنتج الفقر والمرض والعوز وغياب الدولة، باختصار في أي مكان كانت محاولات التصدير للفكر الإيراني فاشلة، وفي بعض نتائجها شلل للدولة وتبديد للموارد.

أمام ذلك الاستثمار الرديء الصادر من فكرة فاسدة، خسرت المجتمعات الإيرانية أموالاً طائلة هي في أمسّ الحاجة إليها، وضاع جيل كامل في وسط الشعارات، كما خسرت فرص النمو الطبيعي في القرن الحادي والعشرين، إذ اكتشفت الأجيال الجديدة أنه باستمرار خضوعها ستخسر أكثر، بخاصة أنها تشاهد في الجوار بلداناً شرعت في التطور على كل الجوانب، واكتفى متخذ القرارات في طهران بتراكم أجهزة الطرد المركزي على أساس فكرة رديئة أيضاً أنها تحمي النظام!

تنبّهت الشعوب الإيرانية إلى أن القضية الأساس ليست اختلافاً مذهبياً. هذه فقط حجة ساذجة، الأساس هو صرف الموارد الإيرانية على أتباع لا يحققون أي نتائج تُذكر، والأولى أن تُصرف تلك الموارد على الشعب، كما تنبهت إلى أن العداء للآخرين هو استنزاف للمواطن في الوقت الذي يرسل أبناء النظام الكبار أبناءهم للدراسة في الخارج!

المعادلة التي لا يريد متخذ القرار في طهران الالتفات إليها، وهي أن لا مجال لتغيير النظام من الخارج، تلك فكرة قديمة لم تعد صالحة أو مطبقة، تتغير الأنظمة من الداخل بسبب سوء سياساتها، ولأن الوضع الداخلي لا يمكن استخدام القنابل النووية ضده، فالنتيجة من جديد عمى في استخدام الموارد التي كان يمكن أن تُوظّف لمصلحة الناس.

استمرار الإضرابات والتظاهرات والاعتصامات ينبئ بفصل جديد في تاريخ إيران الحديث، وهو فصل تتجمع مفرداته أمام العالم، أما وسواس النظام الإيراني في الاستحواذ واستخدام القوة المفرطة في قمع المحتجين، فسيجعل إيران أضعف، ولكن أكثر خطورة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة إلى المشهد الإيراني عودة إلى المشهد الإيراني



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon