توقيت القاهرة المحلي 10:20:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رسالة إلى مواطن إسرائيلي!

  مصر اليوم -

رسالة إلى مواطن إسرائيلي

بقلم : د.محمد الرميحى

ليس أي مواطن، ولكن المواطن الإسرائيلي الذي يحمل عقلاً منفتحاً ومعرفةً بما يدور في العالم، ويستطيع أن يقارن الأحداث ويستخلص العبر.

الاشتباك الذي تم بين مجموعة من المواطنين الفلسطينيين من غزة، مع مجموعات من أفراد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في مناطق مدن غلاف قطاع غزة الأسبوع الماضي، يمكن تفسيره بالكثير من التفسيرات، بعضها يدخل تحت تفكير «المؤامرة» المعتادة في العقل العربي العام، والإسرائيلي أيضاً، إلا أن ما حدث ببساطة في وجه منه، هو أن «العنف يولّد العنف» هكذا بوضوح.

لقد مرّت سنوات والعالم جميعه يرى ويسمع، بما فيه العرب في الجوار الإسرائيلي، أن هناك فلسطينياً يقتل يومياً أو أكثر من فلسطيني، إما بقوات منظمة، وهي الجيش، أو القوى المسلحة الرديفة أو المستوطنين في المناطق والأراضي الفلسطينية، كما يرى ويسمع على محطات التلفاز الوضع المهين الذي يتعامل المسلحون والمستوطنون مع المواطن الفلسطيني، في الضرب والركل بأعقاب البنادق وهدم المنازل والسجن دون محاكمة في سجون تضم آلافاً، من بينهم نساء وحتى أطفال، صحيح أن العالم تعاطف مع اليهود بعد القتل الجماعي بأفران الغاز في ألمانيا النازية على بشاعتها، ولكن ما الفرق بين القتل الجماعي، والقتل الفردي الذي يتراكم ليصبح جماعياً؛ فالإبادة هي الإبادة!

المواطنون في غزة، بصرف النظر عن انتمائهم السياسي، محاصرون في قفص ليس له باب، فلا قدرة لأحدهم أن يغادر مكانه، أو يعيش بكرامة في أرضه، أو يتطبب من مرض، كل شيء يحتاجون إليه كي يعيشوا كبشر محرومون منه بحصار قاتل، لا دواء ولا غذاء ولا مصادر مستمرة للكهرباء، كل ذلك موضوع في يد الإسرائيلي الذي يقفل الحنفية أو يفتحها متى ما أراد، حتى مصادر رزقهم في البحر محددة بعدد من الأميال من يتخطاها يلقى عقاباً صارماً، في مثل هذه الأجواء القاتلة بالتأكيد يفكر كثيرون أن الموت هو أفضل من الحياة المزرية، أما في مناطق الضفة الغربية، فإن الجميع أيضاً محاصر، تقفل عليه الطرق في أي لحظة ويعرّض للموت من يشك به، دون عقاب أو حتى مساءلة وحتى المارين بسلام في الجوار من أهل الإعلام.

العالم مع الأسف لا يرى هذا العذاب اليومي، أو يراه فينكره، وعندما يرد البعض عن هذا العذاب بالعنف تنزل عليه الشتائم، كما حدث من قِبل المتحدث العسكري الإسرائيلي الأسبوع الماضي، وهو يتحدث إلى إحدى المحطات التلفزيونية العربية، لقد استخدم تعبيرات وشتائم «مقذعة»، وهو دليل من جملة أدلة يقول إن «ما هو موجود هو كراهية عنصرية، وليس خلافاً سياسياً أو حتى استراتيجياً».

لن أحدثك عن الخلاف بين مكونات شعبك، من هم قادمون من الغرب، ومنهم قادمون من الشرق، فأنت أعرف بذلك الموقف العنصري المتفشي، وتمتلئ الأدبيات المنشورة حتى من يهود في إدانة تلك المواقف.

ما أحدثك عنه هو «القفص» الذي وُضع فيه شعب بكامله، وأعرف أن الاشتباك الأخير قد أثار كل مخزون الكراهية في المكانين، العربي والإسرائيلي، كما أعرف أن هناك من يضخّم «الانتصار»، وهو تضخيم اعتدنا عليه يذكرنا بالمرحوم أحمد سعيد في ماضي الأيام، كما في الجانب الإسرائيلي ضخم في الوعيد و«السحق» ودعوات إلى «الإبادة»، ولكن الحقيقة التي يعرفها العقلاء أن شعباً كاملاً هو الشعب الفلسطيني لا يمكن سحقه وإبادته، مهما قلَّت إمكاناته، كما يعلم نفس العقلاء أن «تحرير الأرض» من النهر إلى البحر هو أيضاً شعار مخادع وواهم، كل ما يمكن تأكيده أن الشعبين في أرض واحدة يتوجب العيش المشترك بينهم، أما في دولة ديمقراطية واحدة، يتساوى فيها الجميع، أو دولتان جارتان على الأرض نفسها، تلك الحقيقة لا مفر من الوصول إليها، الخيار الآخر هو الاستنزاف، مع الاعتراف أن استنزاف إسرائيل للجانب الآخر، هو أكثر حدة وعمقاً من استنزاف الفلسطينيين، ولكنه أيضاً استنزاف.

كانت السياسية الإسرائيلية تسوّق لعقود طويلة أن بلداً صغيراً بعدد محدود نسبياً من البشر هو في وسط «بحر من الأعداء»، هذه الذريعة كان السياسيون في إسرائيل في الداخل والخارج يروّجونها، لم يعد الأمر كذلك، لقد طبّعت معكم بلاد كبيرة ومجاورة هي مصر وأيضاً الأردن، ثم جاء التطبيع من بلدان عربية أخرى ربما تطبيع بارد، ولكن في جزء منه هو إطفاء الذريعة القائلة إنكم في «بحر من الأعداء» لم تعودوا كذلك، كان ذلك التطبيع الواسع والذي تفاخر به رئيس الوزراء الإسرائيلي في قاعدة الأمم المتحدة مؤخراً، بأن اللون الأخضر «السلام» يحيط بإسرائيل، كان يمكن أن يكون ذلك ممراً لأجل وفاق مع جيرانكم الأقرب، في تقاسم الأراضي وتبادل السلام، الذي تم هو العكس، عدّ ساسة إسرائيل أن التطبيع هو إذعان، وأنه «بطاقة مجانية» لسحق الشعب الفلسطيني، فذهب إلى تضخيم الفرص حتى أصبح بعض من في الحكم أقرب إلى التفكير «النازي»، ذلك توجه قاصر إن لم يكن غبياً، حتى بعد سبعين عاماً أو أكثر من قيام دولتكم.

تستطيع إسرائيل اليوم أن تقوم بمهاجمة كل المدن الفلسطينية، وتستطيع أن «تثأر» للجرح الذي حدث لكبريائها العسكري، ولكن في وقت ما سوف يتجدد الصراع، ويستمر الاستنزاف، فلا يمكن تجاهل مصالح وحقوق شعب كامل، لو كان ذلك ممكناً، لما أصبح لليهود مكان آمن بعد محاولة سحقهم في دول الغرب، ولكنهم بقوا حتى بعد عشرات الآلاف من السنين، وهكذا سوف يبقى الشعب الفلسطيني، بل إن عوامل بقائه أكثر قرباً من تجارب أخرى، فهو يتكلم اللغة نفسها ويحمل الثقافة نفسها وليس بينه من هو مواطن درجة أولى وآخر درجة ثانية!

لقد قام بعض حكمائكم في السابق بفهم قواعد اللعبة، وقدموا مشروعات سلام، لكن بعضهم تم قتلهم بين مناصريهم، وآخرون تم قتلهم سياسياً، ومن ثم دفعهم إلى الهامش. ودون تحكيم العقل، فإن لا التقنية تقي ولا حتى القبة السماوية ولا حتى الشعارات.

آخر الكلام:

على مدى أكثر من ثلثي قرن فجّر الصراع في فلسطين في الجوار حجماً هائلاً من الصراعات، عطّلت التنمية وعرقلت اللحاق بالحضارة الإنسانية!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة إلى مواطن إسرائيلي رسالة إلى مواطن إسرائيلي



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 10:20 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
  مصر اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon