توقيت القاهرة المحلي 10:04:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المبادرة المصرية

  مصر اليوم -

المبادرة المصرية

بقلم : د.محمد الرميحى

نشرت وسائل الإعلام، وتردد صداها في بعض التصريحات، أن ثمة مبادرة مصرية معروضة على «حماس»، هدفها إنقاذ الأرواح، ملخصها أن يتخلوا عن إدارة قطاع غزة، في سبيل أولاً وقف إطلاق النار، وأيضاً إطلاق المحتجزين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ومن هم لدى «حماس» والفصائل من أسرى، ومن بعده الوصول إلى مرحلة انتقالية، تؤدي في النهاية إلى قيام دولة فلسطينية (أي تحقيق حل الدولتين). هذا الاقتراح المصري الذي لُخص هنا لم يأتِ من فراغ؛ إذ إن مصر لعقود طويلة، صارعت إسرائيل، ودفعت ثمناً غالياً من دماء أبنائها، ومن مستقبلها، ومن خططها التنموية، في خضم ذلك الصراع الطويل والمنهك، حتى ذهب بعض المحللين الاقتصاديين إلى القول، إن مصر لم تشفَ من نتائج حرب عام 1967، وما هي فيه من صعاب اقتصادية اليوم، جزء وازن منه نتيجة تلك الحروب، وهي - أي مصر - كانت دائماً ملجأ لجماعات عربية ضاقت بها أوطانها، في السنوات الأخيرة، مثل سوريا والسودان وليبيا واليمن، فالاقتراح المصري قادم من خبرة ودراية وبعد نظر إحساساً بما يواجه الفلسطينيون اليوم من مخاطر، وأيضاً من قراءة واعية في الموقف الدولي المؤثر، بأن هناك موقفاً عالمياً دائماً وحازماً» من الغرب بدعم إسرائيل. التفاصيل في الملف الأخير (دعم الغرب) كثيرة، ويتوافق عليها معظم الغرب، والكثير من الشرق. لها أسبابها التاريخية والمصلحية، وتفيض بها كتب التاريخ، إلا أن ذلك الاقتراح قد رُفض كما تقول لنا الأنباء المتاحة، فماذا بعده؟

قبل الدخول في قراءة ماذا بعد، يتوجب الإقرار بأن ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) غير مسبوق لا في شكله في التنفيذ، ولا في سرعته، ولا في نتائجه؛ لقد كان «مفاجأة غير سارة» لإسرائيل، فجدارها الأمني قد اخترق، وسلاحها الاستخباري قد تعطل، وتقنيتها قد هزمت من اللاتقنية... كل ذلك صحيح، إلا أن ردة فعل إسرائيل على ذلك كانت وما زالت مدمرة، وأيضاً متوقعة من خلال دراسة الساحة الإقليمية والعالمية، لم يحدث مثل هذا الدمار «حجماً وتوقيتاً» في التاريخ الحديث، إنها إبادة وتصحير، وربما تهجير.

ردة الفعل الإسرائيلية محسوبة، لا ينفع فيها ما يبرره البعض بأنها «غاضبة»، هي غاضبة ولكن أيضاً وجدت في 7 أكتوبر فرصة ينتظرها اليمين الإسرائيلي منذ زمن، فحولت «الأزمة إلى فرصة»، من أجل تحقيق ما يتمناه اليمين الإسرائيلي من إبادة الفلسطينيين وغلق ملف الدولة الفلسطينية المأمولة، يساعده في ذلك رأي عام داخلي مواتٍ، هنا يتوجب التوقف للتفكير العقلاني.

ما يحدث من فظاعات هو في قلوب العرب ومحبي البشرية والإنسانية، لا أقل من مجازر، ولكنه في نفس الوقت للساسة الغربيين، ومتخذي القرار في العالم، لا مانع من استمراره، قبلنا ذلك أو لم نقبل، وقد حاولت الدول العربية في مجلس الأمن مع دول أخرى متعاطفة، لأكثر من مرة، تمرير قرار «وقف إطلاق النار»، فلم تستطع، حتى القرار الأخير والمتواضع، لم تعترض عليه الولايات المتحدة، ولكنها امتنعت عن التصويت تحت ذريعة أن القرار لم «يدن حماس»!

المشهد الآن أصبح جلياً؛ إما إكمال القضاء على المدنيين في غزة، وهم بالملايين، من خلال استمرار المقاومة، أو الوصول إلى حل سياسي ينقذ ما يمكن إنقاذه، ليس هناك عاقل يوافق أو يرغب في إبادة هؤلاء البشر، إلا أن الماكينة الإسرائيلية، أردنا أو لم نرد، ذاهبة في ذلك الاتجاه؛ لأسباب نفسية وتاريخية وسياسية تخص كبار سياسييها، وأيضاً استراتيجية؛ فهي بالنسبة لهم «معادلة صفرية» قد ينتج عنها، وهذا احتمال لا بد من التفكير فيه، حدوث «ترانسفير» من غزة أولاً، ومن ثم من الضفة الغربية، تجاه الأراضي المجاورة، ذلك الترانسفير، سيكون أكبر وأعظم في تاريخ المنطقة مما عرف في تاريخنا بالنكبة عام 1948 أو الحروب التي تلت؛ إذ إنه سيشكل أعباء لا طاقة لدول الجوار بتحملها، وربما ينتج صراعات داخلية مريرة وطويلة في بلدان الجوار، إنها معركة كسر عظم، لا ينفع فيها إطلاق الشعارات، ولا التمنيات، ولا الأوهام!

هذه المعادلة الصفرية ليست جديدة في تاريخ العالم، فهناك ما يعرف بـ«انسداد التفكير» (thought block)، وهو ظاهرة سياسية/ اجتماعية نفسية، شهدناها في العصر الحديث من شاه إيران، إلى صدام حسين، إلى القذافي، إلى بن علي، وحتى البشير، كأمثلة، وهو أن السياسي يبقى تحت أوهامه حتى يسقط.

أمام هذه المعادلة الرديئة، فإن الاقتراح المصري هو مخرج معقول وفن الممكن، ليس الأفضل، ولكن المتاح بالنسبة لتوازن القوى العالمي، وقد يكون قبوله شيئاً من الانتصار للمحاربين؛ إذ إن الحروب لا تقرر بمعركة أو بمجموعة من المعارك؛ تقرر بنتائجها النهائية!

والنتائج شاخصة، فلا «دول الممانعة» بقادرة أو حتى راغبة في التدخل النشط لمساعدة «حماس»، والذي قد يشكل شيئاً من التوازن النسبي في القوة لو حدث، ولا الدول الكبرى براغبة في وقف التجبر الإسرائيلي الفظ؛ لأسباب كثيرة خاصة بها، ولا حتى تهديد التجارة العالمية في البحر الأحمر بقادر على تغيير موازين القوى، والأخير هو فقط «ذر الرماد في العيون»، وعنتريات تذكرنا بعنتريات عربية صمّت آذاننا في عدد من الصراعات العربية المعاصرة، ولم يكن لها تأثير حتى يساوي جهد كلماتها!

الاقتراح المصري هو الممكن في الظروف القائمة لإنقاذ أرواح البشر، والحصول على نتائج معقولة متفاوض عليها، وأي تهاون أو تأخير في قبول حل سياسي يحفظ للجانب الفلسطيني حقوقه، وينقذ الأبرياء من الموت بالقنابل أو العطش أو البرد أو الجوع، هو مكسب للإنسانية، ومكسب فلسطيني، فالمعارك لا تحتاج إلى شجاعة في خوضها، بل أيضاً شجاعة أكبر في إنهائها!

آخر الكلام:

كلما تحدث قادة «المقاومة» ونسبوا ما يفعلون لـ«محور الممانعة»؛ قلّ التعاطف مع قضيتهم، صمتهم أفضل!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المبادرة المصرية المبادرة المصرية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon