توقيت القاهرة المحلي 10:35:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أيهما أخطر؟

  مصر اليوم -

أيهما أخطر

بقلم : د.محمد الرميحى

جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر خطراً علينا، الجار الشرقي أم الجار الغربي، وأقصد هل إيران أم إسرائيل؟ أجتهد بالقول إنّهما الاثنان معاً، هكذا بوضوح وجسارة أيضاً، الّا أنّ المعادلة لا تنتهي هنا، هي فقط تبدأ، لأنّ النخب العربية منقسمة، بين من يرى إيران هي الأخطر، أو إسرائيل هي الأخطر، ويزداد الأمر صعوبة عندما نرى (في الحالة الإيرانية) أنّ هناك من يعتقد انّها ليست صديقة فحسب بل وحليفة أيضاً.

الغريب أنّ الكثير منا لا يعرف الجانبين خير المعرفة. في الحالة الإسرائيلية انتهيت من قراءة كتاب بعنوان (اليهودي الخيّر واليهودي السيّئ) وهو كتاب صدر بالإنكليزية العام الماضي 2023 ومؤلفه يهودي من جنوب إفريقيا اسمه استيفان فردمان. يشرح الكاتب مسيرة اليهودي الغربي في ضوء (الاضطهاد والاضطهاد المضاد) على قاعدة "العنصرية"، ويرى أنّ الصهيونية نجحت إلى حدّ كبير في تسليع فكرة "العنصرية" في المجتمعات الغربية، لأنّ اليهود أفضل من استفاد من عصر الأنوار، وأيضاً من مبادئ الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر. ويدلل على ذلك، انّ اليهود بثوا فكرة "العداء للسامية" ولم يتلقف كثيرون أنّ العرب أيضاً ساميون، ولكن ذلك التعبير لا يشملهم، فلم يعيشوا ويختلطوا بالشعوب الغربية البيضاء، وهي استعمرت الكثير منهم، ولكن لم يكونوا أنداداً، بعكس اليهود الذين عاشوا في أوروبا.

في ضبابية المعرفة يرى الكتاب أنّ اليهودي يقبل شكلاً أن ينضمّ آخرون إلى ديانته، وقد تمّ ذلك في فترات تاريخية مختلفة بما فيها العصر الحديث، ولكن الأكثر تشدّداً منهم لا يقبل في الواقع ذلك الانضمام، الّا قسراً، بل إنّ الشقاق بين اليهود في الداخل الإسرائيلي يستضر تعبير "العداء للسامية" حتى لبعض اليهود. هنا لا بدّ من التذكير أنّ السردية العربية في معظمها ترى أنّ اليهودي هو فقط من أم يهودية (تلك خرافة تبنتها المخيلة العربية)، بل إن الصهيونية، بسبب تأثير اليهود الكبير على مساحة واسعة في الغرب الليبرالي في الثقافة والعلوم والسياسية، تمّ تأكيد ما يُردّد اليوم بشكل واسع (الثقافة اليهودية- المسيحية) أي ما يُعرف بـ"Judeo- Christian tradition" وهو تعبير سياسي تمّ زرعه في السياق العام للتصورات السياسية والثقافية الغربية.

يرى الكاتب انّ نظام ادولف هتلر قد قتل من اليهود في أفران الغاز وغيرها من الوسائل حوالى 6 ملايين نسمة، وهو ما أصبح يسمّى "الهولوكوست" أي المحرقة، ولكن لم يذكر التاريخ أنّ 10 ملايين سلافي (عرقية أوروبية – غرب أوروبا وشرقها) ومنهم سلافيون مسلمون، قد تمّت تصفيتهم من قبل النازية، إلّا أنّ هذا الرقم الضخم لم يعلق في ذاكرة أو ضمير الشعوب الغربية التي حاربت النازية، أو يُذكر في المانيا الحالية اليوم!

ذلك الامر يفسّر وقوف الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، في العمق، مع الكيان الصهيوني في فلسطين، والذي يمثل نوعاً من العنصرية ضدّ العرب.

الجمهورية الإسلامية في ايران لها أيضاً سرديتها التي لا تبتعد عن "عنصرية" ضدّ العرب، فهم أو الفرس، الأغلبية النسبية في إيران اليوم من العرق الآري، الذي اعتقدت النازية أنّه العرق الإنساني المتفوق، وقد تحالفت البهلوية الحديثة (رضا بهلوي) في النصف الأول من القرن العشرين مع النازية الألمانية من ذلك الباب، وفرضت عدداً من القوانين في إيران التي تفرض ذلك العرق الثقافي، بما فيه تغيير الأسماء العربية إلى فارسية، والتي ما زالت قائمة حتى الآن. أضف الى ذلك الفتح العربي لما وراء النهر "إيران" يذكر في التاريخ الإيراني الحديث على أنّه "الغزو العربي"، لذلك فإنّ النخبة الدينية الحاكمة في إيران اليوم، هي في موقع "التباس الهوية" كونها دينية- إسلامية، لا بدّ لها من اللغة العربية، لأنّ الإسلام باللغة العربية، ولكن العنصر القومي، المرتبط بالهوية التاريخية يشدّها اليه، فعلى الرغم من معرفة كل رجال الدين في إيران اليوم باللغة العربية، لكنهم في الاجتماعات مع العرب يصرّون على التحدث بالفارسية وأيضاً بوجود مترجم.

المؤسف انّ العنصرية الإيرانية ترى أنّها متفوقة على العرب، ربما بسبب عقدة تاريخية أو نزعة قومية، وتظهر في برامج التعليم التي وثقت في أكثر من كتاب متاح، منها كتاب الأردني نبيل العتوم "صورة العرب في الكتب الإيرانية" وهي دراسة في زمن الجمهورية الإسلامية لا قبلها، أما التاريخ، فيكفي ذكر ملحمة الفردوسي "الشاه نامة" (كتاب الملوك) وهي مثقلة بكراهية العرب!

ولكن الأقرب هو ما تقرأ اليوم في كتاب وزير الخارجية الحالي حسين أمير عبداللهيان والمعنون بـ"صبح الشام"، حيث يقول في النص، إنّ "إيران أرادت ان تجمع في وقت ما المعارضة السورية المؤمنة بالحل السلمي في سوريا، وبعد ثلاثة أيام انفرط الاجتماع رغم كل الجهد الإيراني"، فيعلّق الكاتب: "انّهم تشاجروا في ما بينهم" ثم يعلّق: "كعادة العرب". التعليق تعميم لا يصح، وهو أيضاً نظرة فوقية للعرب تنمّ عن عنصرية، وكان الإيرانيون لا يتشاجرون في ما بينهم! فوق ذلك وفي كثير من الأدبيات الإيرانية يشار الى العرب انّهم "أعراب" وهي مذمّة كما نعرف ذكرها القرآن!

العرق، الدين "المذهب" اللغة، اللون، كلها عوامل لها القدرة الأكبر في شدّ العصب العنصري وحشد البشر خلف "قضية" ما، يسهل استخدامها من السياسيين، واليوم تسمّى تلك الظاهرة المتعصبة ذات العوامل المذكورة "الهوية"، وهي أحد اهم أسباب الحروب والكراهية ضدّ الآخر، أي اني "عرقاً او لغة او مذهباً او ديناً او لوناً" افضل منك، ومن حقي سلبك حقوقك الإنسانية والتحكّم بك.

الإنسانية اليوم اكتشفت أنّ الهوية هي فقط وسيلة لفكرة أخرى مخفية، وهي المصالح التي تتحقق للدولة أو للشعب الذي يدّعي التفوق، لذلك يفاخر الإيرانيون أنّ اربع عواصم عربية تحت سيطرتهم، كما يفاخر الإسرائيليون بأنّ كل فلسطين تحت سيطرتهم، وأنّ قوتهم لا تُقهر!
الأمر الذي يجعل العرب بين فكّي كماشة قوة قد تكون متفاوتة، ولكن آثارها في أجساد أوطانهم باقية!.

المنطق يقول إنّ دولة فلسطينية مستقلة، وتحرير عاصمتها القدس الشرقية من الاحتلال، وأيضاً تحرير العواصم العربية الأربع من الاحتلال الإيراني، هو المقبول عربياً، من اجل تعايش الجميع سلمياً في المنطقة المستنزفة حتى الساعة بسب تغوّل الهوية السلبية ضدّ مصالح الوطن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيهما أخطر أيهما أخطر



GMT 08:07 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 08:06 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 08:05 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

GMT 08:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 08:01 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 08:00 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

سوريا واللحظة الحرجة!

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ترمب ــ «بريكس»... وعصر القوى المتوسطة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon