توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قراءة في أوامر محكمة العدل الدولية

  مصر اليوم -

قراءة في أوامر محكمة العدل الدولية

بقلم : د.محمد الرميحى

تتعدد القراءات والتفسيرات لأوامر محكمة العدل الدولية التي صدرت يوم الجمعة الماضي تجاه القضية المرفوعة من جمهورية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل تعدداً طبيعياً، فأي من له خبره بكتابة النصوص، سواء أكانت قانونية أم سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية، يعرف أن فهم هذه النصوص وتفسيرها قد يكونان تقريباً بعدد قرائها، وهكذا قرأنا وسمعنا في الأيام القليلة من متخصصين أو صحافيين أو مراقبين الكثير من التفسيرات لنص واحد، في التفسير العربي للنصوص الصادرة تعامل معها البعض على طريقة (ويل للمصلين) فرفع بعض فقراتها إلى أعلى، وتجاهل فقرات أخرى، كما أن تلك الأوامر ليست قانونية بحتة، بل فيها شيء من السياسة.

أوامر المحكمة يمكن أن تفسر بعدد من النقاط منها:

1- أقرت المحكمة بأنها مختصة بالموضوع المطروح وهو شكوى جمهورية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، متهمة إياها بأنها قامت بأعمال إبادة جماعية بحسب النصوص في القانون الدولي، وهذا أمر يحسب انتصاراً لجمهورية جنوب أفريقيا، كما هو انتصار للقضية. في التجارب الأخرى لم تصل أي شكوى ضد إسرائيل في هذه المحكمة أو غيرها من المؤسسات الدولية إلى هذا المستوى، كانت إسرائيل على شنيع فعلها "امرأة قيصر" لدى الدول الوازنة، وما ساعد على وصول الشكوى، أولاً الشواهد التي قدمتها جمهورية جنوب أفريقيا، وثانياً ما يشاهده العالم من إبادة على شاشاته كل يوم حياً وطازجاً، مصاحباً بكمّ من الوقاحة في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تنم عن نازية جديدة.

2- رفض المحكمة من حيث المبدأ الدفاع الإسرائيلي غير المقنع لأعضاء المحكمة، وشابه الكثير من المبالغة والخروج عن الملف المعروض.

3- هذه الأوامر التي أصدرتها المحكمة والتي هي في العاجل كما رأت، لن تكون من دون مراجعة، فقد أمهلت إسرائيل لفترة شهر لترد على التهم التي أقرت، وبعد الرد تقوم حكومة جمهورية جنوب أفريقيا بقراءة الرد وتقديم ملاحظتها عليه وتفنيد ما يلزم تفنيده، أي أنها وضعت إسرائيل معنوياً تحت الوصاية لمدة شهرين والوصي هو حكومة جنوب أفريقيا، وعلى الأخيرة عمل قانوني وسياسي كبير يحتاج إلى إعانة من الفلسطينيين.

4- ومن ثم ضم الملف الذي سوف تقدمه جنوب أفريقيا تعليقاً على رد إسرائيل إلى أوراق القضية التي سوف تأخذ وقتاً لإصدار حكم نهائي فيها، يقول بعض الخبراء إنه قد يأخذ سنوات.

5- لم تأمر المحكمة بوقف إطلاق النار، ما فسره البعض بأنها سمحت باستمرار القتال، ولكن بضوابط القانون الدولي، وبعض الخبراء يرون أن المعركة هي بين تنظيم سياسي ودولة، وهذا يمنعها من إصدار أمر بوقف إطلاق النار، ولكن إن تم ما أمرت به المحكمة في هذا الملف، فسوف يقلص الأعمال العسكرية الإسرائيلية ويقلل من الضحايا المدنيين، ولكن لن يوقف القتال أو يرفع الحصار عن مواد تعتبر، من وجهة نظر إسرائيل، مواد حربية، أي يمكن استخدامها في المعارك، مع السماح بشكل أفضل بمرور ما يحتاجه الناس لمعيشتهم، هذا إن امتثلت إسرائيل لأوامر المحكمة. في هذه الجزئية يمكن للرقابة الإسرائيلية أن تقرر ما هو المسموح به وما هو الممنوع مما يحتاجه الشعب الفلسطيني في غزة أو لا يحتاجه!!

6- أمرت المحكمة "حماس" بالإفراج فوراً عن المعتقلين الإسرائيليين، حتى من دون مبادلتهم بمعتقلين فلسطينيين، هو أمر سياسي وليس قضائياً، لأن "حماس" ليست دولة ولا هي طرف في النزاع قانوناً، وإن تم ذلك فسوف يضعف الموقف الفلسطيني، إلا أن "حماس" في موقف أخلاقي غير مريح، فإن استجابت له خسرت أوراقاً تفاوضية، وإن لم تستجب خسرت تعاطف بعض أعضاء المحكمة على الأقل، وربما جزءاً من الرأي العام العالمي، هذه النقطة سكت عنها معظم الإعلام العربي، ولكنها موجودة في نص الأوامر ومن الخطأ تجاهلها.

7- ما ذهبت إليه المحكمة يتطابق جزئياً مع الرؤية المعلنة للولايات المتحدة، وقد عبرت عنها في الكثير من التصريحات، وهو الاشتباك في حدود قواعد القانون الدولي، وتجنب ضحايا مدنيين ما أمكن، وأيضاً إطلاق سراح الأسرى.

8- فرنسا تطالب بوقف إطلاق النار، وربما يكون ذلك منسجماً مع مطالب الاتحاد الأوروبي بوقف إطلاق النار الفوري وإدخال المساعدات الإنسانية، إلا أن تلك المطالب لم تُرفق بقرارات تضر إسرائيل حتى الآن.

9- المحكمة سوف تستمر في النظر في الدعوى ضد إسرائيل، مع البحث عن عناصر محققة في إثبات النية لدى إسرائيل لتنفيذ سياسة الإبادة الجماعية.

10- أوامر المحكمة لا شك وضعت إسرائيل في "ماء بارد" وحققت ضدها هزيمة معنوية، بخاصة أن الاضطراب وعدم الانضباط في الأسابيع الأولى والتصريحات الفاشية من عدد من المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، كلها تقود إلى نية الإبادة الجماعية.

11- أوامر المحكمة دفعت الولايات المتحدة ودولاً غربية أخرى، بضغط إسرائيلي، إلى إيقاف المساعدات المالية لمؤسسة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) بسبب ضغط وادعاء إسرائيلي أن بعض منتسبيها يساعد "حماس"! كما اشتبكت إسرائيل مع منظمة الصحة العالمية، بل مع الأمم المتحدة، بخاصة بعد تصريحات الأمين العام الشاجبة للأعمال العسكرية الإسرائيلية، ما يضع إسرائيل في مواجهة مع عدد من المنظمات الدولية، ويضيّق عليها الخناق المعنوي، ولكن أيضاً يحرم الأونروا من تقديم خدمات لشريحة كبيرة من الفلسطينيين هم في أمسّ الحاجة إليها.

12- هناك اليوم 132 محتجزاً إسرائيلياً، وقد قتل 28 من المحتجزين بسبب غارات إسرائيلية أو أسباب أخرى، ويتصاعد ضغط أهاليهم ومناصريهم على الحكومة الإسرائيلية التي يبدو أنها قررت أن يكون ملف الأسرى ثانوياً، أو أن يُحرروا بالقوة، وهو ملف له أهمية من الجانب الفلسطيني، لذا فإن التعامل معه بحذق مطلوب، وليس بعاطفة.

13- الحقيقة على الأرض أن مدن غزة باتت أشبه اليوم بخرائب، وأن أهل غزة يطارَدون في العراء، وهم في الغالب المجموعة البشرية المهملة في الصراع، ومعاناتهم تفوق أي قدرة احتمال للبشر، والطريق السليم هو التفكير السياسي الذي ينقل الملف من العاطفة والشعارات، إلى الحسابات السياسية الباردة.

14- كل ما تقدم من دعم معنوي للقضية من محكمة العدل، إن لم يقابَل من قبل فريق فلسطيني قانوني بملف موثق واضح بالأدلة إلى قيام إسرائيل بإبادة جماعية، كمثل الاعتداء على المشافي من دون وجود عناصر من "حماس" والمدارس ودور العبادة، ويقدم إلى حكومة جمهورية جنوب أفريقيا لمساعدتها قانونياً، فإن مرور الزمن قد يفقد بعض تلك الأوامر زخمها، بخاصة في مرحلة انحسار للدعم الدولي، إما بسبب الانتخابات الداخلية في عدد من بلدان الغرب، بخاصة الولايات المتحدة، أو بسبب أعمال الحوثي في البحر الأحمر التي تزيد من التضييق الاقتصادي على الجمهور الغربي.
تلك قراءة عامة للمشهد الدائم التحول ....

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة في أوامر محكمة العدل الدولية قراءة في أوامر محكمة العدل الدولية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon