توقيت القاهرة المحلي 09:40:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأسئلة الصعبة

  مصر اليوم -

الأسئلة الصعبة

بقلم : د.محمد الرميحى

لا يبزغ فجر يوم إلا وتسمع من خلال وسائل الإعلام عن عدد الضحايا الذين سقطوا الليلة السابقة في غزة، وأيضاً في الضفة الغربية. ولا يوجد عاقل على وجه الأرض إلا ويصاب بالغثيان من تلك الأرقام وذلك الصلف الإسرائيلي المنزوع من الإنسانية وهو يغمس آلته العسكرية في دماء الفلسطينيين والعزل، ومن جهة أخرى نجد مندوب الدولة الكبرى، وهي الولايات المتحدة، يطوف بالعواصم الإقليمية مطالباً ليس بوقف الحرب الشعواء، ولكن بعدم توسيع رقعة الحرب! ضارباً بعرض الحائط كل من يسقط من هؤلاء البشر من موتى أو جوعى أو مشردين.

طبيعي أن يكون هناك شعور جارف بالاشمئزاز والغضب، ليس بين مجمل العرب فقط، ولكن أيضا من كل انسان على وجهة الأرض لديه القليل من المشاعر الإنسانية، كل ذلك مدان، لكن أيضا هناك من جهة أخرى أسئلة صعبة من العسير الإجابة عليها وسط هذا الدمار الهائل والمشاعر الجارفة، إلا أنها أسئلة مستحقة، وهي: هل الحرب الدائرة هي حرب بين حماس (فصيل وطني فلسطيني غير معترف به على الساحة العالمية) وبين إسرائيل؟ أم هي حرب بين الفلسطينيين قاطبة وبين إسرائيل؟ أم هي حرب بين محور المقاومة (ايران – العراق – سوريا – لبنان- اليمن "الحوثي") وبين إسرائيل؟ تلك أسئلة مستحقة، والإجابات عليها مُرة، تقف في الحلق معلقة لا تبلع ولا تلفظ! ولكنها تقربنا من فهم الحدث الدامي أمامنا.

نشاهد مجموعة من الصدامات مع المحتل في الضفة الغربية، ومواطنو الضفة الغربية في الغالب غير مسلحين، ولا بقادرين على التسلح بمستوى واسع، ويربط السلطة الفلسطينية خيط رفيع من المعاهدات مع إسرائيل، مهما قيل فيها، فإن التحلل منها سيكون ذا مردود سلبي على أهل الضفة وأي خلل كبير فيها سيكون ذريعة لطرد أهل الضفة بالقوة من قراهم ومدنهم، ولن يرف جفن المجتمع الدولي -بمعظم مكوناته- لذلك الأمر إن حصل! ومن المزعج في هذا الملف أنه بعد كل هذا الكم من الضحايا الذين سقطوا، يتبين النقص الهائل في التواصل الفلسطيني/الفلسطيني، إلى درجة أن يطالب السيد محمود عباس -وعلى الملأ- من مصر بعقد "اجتماع للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية"! ألا يوجع القلب بل يفطره تلك الحقيقة المرة؟ فبعد أكثر من ثلاثة أرباع القرن من النضال وقضم الأرض الفلسطينية وتشريد الملايين، لم يتوحد المتضرر والضحية على قلب رجل واحد، ومن خلال مشروع واحد. أليست هناك خطيئة كبرى في هذا الملف الشائك ترتكب أمام عيون الجميع؟ ذلك سؤال يحتاج إلى إجابة موضوعية وليست عاطفية. الافتراض أنه لو كان هناك رأي موحد فلسطيني، لما ذبح الفلسطينيون فرادى أو فصائل واحدة إثر أخرى، إلا إنها شهوة السلطة وإغراء الأيديولوجيا لا أكثر.

أما السؤال الثاني فهو أين "محور المقاومة" وقد ملأ الدنيا بصيحات عالية، بأن هناك "مكتب تنسيق بين قوى المقاومة"؟ وأن هناك شيء اسمه "فيلق القدس" مهمته الرئيسية تحرير القدس!!

الحقيقة أنه مع الطلقات الأولى للحرب المدمرة الإسرائيلية على غزة، "تبرأ" قسم كبير وفاعل من "محور المقاومة" من كل ما حدث ونظر باتجاه آخر، ولم يبد منه إلا ترديد الشعارات، نعم هناك بعض المناوشات في جنوب لبنان، ولكنها "مناوشات مضبوطة" بما يعرف بـ"قواعد الاشتباك"، وتلك القواعد من أسرار "محور المقاومة"، ولكنها تبدو من الخارج "ضبط للاشتباك" لا يتعدى حدوداً معينة متوافقاً عليها، بصرف النظر عما يجري من قتل وتدمير في أماكن أخرى!

والآن يجري الحديث لدفع حزب الله خلف نهر الليطاني (بطرق دبلوماسية أو عسكرية إذا لزم)، وهذا يخرجه من المعادلة ومن الإحراج أيضاً، تأكيداً لما قيل إن الحزب هو للدفاع عن مصالح إيران ليس أكثر، وإخضاع لبنان كحاملة سلاح للاستخدام في وقت ما!

ولعل العقل أيضاً يأخذنا إلى التماس الأعذار، لأن أي اشتباك مع الآلة العسكرية الإسرائيلية، يعني في النهاية دمار لبنان، ولكن دمار لبنان قائم، من خلال امتلاك السلاح واخضاع الدولة اللبنانية بغضها وغضيضيها إلى مكان يزداد الفقر فيه والعوز تحت إرهاب الحزب.

العواطف الجياشة تطرح السؤال الثالث، وتتحدث عن تدخل عربي مسلح، وهو أمر يحمل من العواطف أكثر مما يحمل من الحقائق على الأرض، فقد خاضت الجيوش العربية بالفعل حروباً عديدة وقدمت فيها الكثير من التضحيات، ولكن كانت النهاية خسارة الأرض، وتعطل التنمية، بجانب أن معظم الدول المحيطة بإسرائيل قد وقعت اتفاقات سلام -مهما قيل حولها- فهي اتفاقات دولية التنصل منها له عواقب لا تستطيع هذه الدول أن تتحملها في الظروف السائدة. والعجب أنه بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الحرب، يخرج لنا السيد إسماعيل هنية بمطالبة العرب بتسليح حماس، ولكنه يقصر أن يقول كيف وبأية طريقة؟ أليس هذا الطلب العلني دليل على قصور في التفكير السياسي؟؟

الحل المتاح هو حل سياسي تفاوضي، بدأت بعض أفكاره وخطوطه العامة تظهر على السطح، بدلا مما هو قائم وهو "الإبادة الجماعية" بموافقة متخذ القرار السياسي في عواصم العالم (من جديد، بصرف النظر عما يجري في الشارع في تلك العواصم). هنا أهمية التفكير خارج الصندوق، وأهمية اتخاذ قرارات من قيادة حماس بالذات تقود إلى حقن دماء أهل غزة التي تنزف.

أحد الدروس المؤلمة والقاتلة التي ظهرت نتيجة الصراع مع إسرائيل في مختلف المواقع في العقود الأخيرة، شيء اسمه "المزايدة"، إما المزايدة على النفس، أو المزايدة على الآخرين. وتأتي المزايدة من "مناضلي الكنبة" أي أولئك الناس غير المتضررين بالصراع مباشرة، ولا حتى القريبين منه، مستفيدين من المشاعر الجارفة للناس، حتى يبيعون الجمهور انتصارات ممكنة، وهي في نفس الوقت صعبة -إن لم تكن مستحيلة.

هذه المزايدة التي خبرناها في المعارك الكثيرة السابقة، وأدت إلى كوارث، يضاف إليها اليوم مزايدة "قوة إقليمية" هي النظام الإيراني، والذي يستخدم كل ذاك الكم من الضحايا من أجل تحقيق أهداف خاصة به، وهي في نظره الضغط على الولايات المتحدة لتقديم تنازلات لصالح مشروعه السياسي، مستخدماً قوى تابعة له في العراق ولبنان وحتى في اليمن!

أمام هذه الصورة البشعة من الإبادة، لا بد من تقديم الحل السياسي، والذي بالضرورة يحمل بعض التنازلات، وهو أمر حتى الآن لا يهضمه العقل السياسي العاطفي، ولكن على من يهمه الأمر أن يجهر به، ويتحمل رذاذ المتفرجين وثرثرتهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأسئلة الصعبة الأسئلة الصعبة



GMT 09:30 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ويْكَأن مجلس النواب لم يتغير قط!

GMT 08:32 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الثلج بمعنى الدفء

GMT 08:29 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

فرنسا وسوريا... السذاجة والحذاقة

GMT 08:27 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

التكنوقراطي أحمد الشرع

GMT 08:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

جدل الأولويات السورية ودروس الانتقال السياسي

GMT 08:23 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ليبيا: لا نهاية للنفق

GMT 08:21 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الصناعة النفطية السورية

GMT 08:19 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

دمشق وعبء «المبعوثين الأمميين»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon