توقيت القاهرة المحلي 10:42:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قراءة في أسباب الحركات الطلابيّة في الغرب والقضيّة

  مصر اليوم -

قراءة في أسباب الحركات الطلابيّة في الغرب والقضيّة

بقلم : د.محمد الرميحى

تفسير الأحداث عقلانياً هو الطريق الذي يجعلنا نفهم ما حولنا من دون ضبابية، لذلك فإن تفسير الحراك في الجامعات الأميركية الذي نشاهده على شاشاتنا كل مساء والتعاطف الكبير من طلاب الجامعات مع القضية الفلسطينية، ليس ناتجاً من الفعل الـ"حماس"ـي في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كما يرى البعض، الأكثر ترجيحاً أنه يحدث بسبب رد الفعل الهمجي الإسرائيلي تجاه "7 أكتوبر".

من الخطأ الاستراتيجي تفسير ما يحدث هناك على أنه تعاطف مع "حماس"، وبناء نتائج غير واقعية عليه، رغم كل الشعور الذي يحمله العربي، ويريد أن يصدقه كثيرون منا، فما زالت "حماس" من الصعب الدفاع عنها في الفضاء الغربي. رد فعل إسرائيل على ما حدث، إذ ارتكبت قتلاً جماعياً وتشريداً ومحو مدن كاملة على رأس سكانها ولفترة طويلة ونظر إليها العالم على أنها أعمال همجية، هو الذي أثار الرأي العام الغربي، وتصدى شبابه إلى قرع الجرس بقوة، كي يوصل رسالة مفادها أن استمرار الحكومات الغربية في دعم إسرائيل لم يعد مقبولاً من شرائح واسعة من الجمهور، مع معرفة ان الحكومات الغربية ما زالت، وربما سوف تظل، تساند إسرائيل، لأسباب لم تعد تخفى على أي متابع فطن.

ردة الفعل العربي في الغالب، كما تعودنا، عاطفية مشحونة بمشاعر تعاطف مفهومة، حتى من شرائح المفروض أنها تنتمي إلى النخبة، إلا أن البعض يأخذ تلك المشاعر إلى أماكن ضبابية، فيقول البعض "انظروا كيف يتحرك الشارع في العواصم الغربية وفي الجامعات نصرة للقضية ويصمت تقريباً الشارع العربي"! وهي مقارنة مع الفارق وتفتقد معايير غير متساوية الأوزان.

الجماهير تتحرك هناك ضد سياسات حكوماتها وإدارة جامعاتها، أما في كل العالم العربي فإن الحكومات تعلن كل يوم مساندتها للقضية وتعمل على المستوى العالمي لوقف الحرب، بل ويساهم بعضها في الجهود الإنسانية المقدمة لضحايا المجزرة، وما ادعاء بعض الأصوات أن تلك الحكومات متقاعسة، إلا من أجل إشاعة جو من المزايدة المؤدي إلى الاضطراب في الدول والمجتمعات، ما يزيد الأمر تعقيداً ولا يقدّم للقضية أي فائدة.

على مقلب آخر، نسمع من بعض قادة "حماس" اليوم أنها مستعدة للتخلي عن السلاح وللعمل كتنظيم سياسي والقبول بحل الدولتين، وتوقيع هدنه لمدة خمس سنوات، شرط أن تترك إسرائيل قطاع غزة. ذلك ما أعلن أخيراً، وهو حل إن حدث، يعيد الأمور إلى ما قبل 7 تشرين الأول من دون نتيجة تذكر، وكأن القيام بذلك الفعل وقتها لم يعد له أثر، إلا قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، حتى هذا الحل لن يحدث، أخذاً بحساب توازن القوى.

بالطبع لن يقبل المجتمع الدولي بقاء "حماس" في القطاع على أي شاكلة كان، ولا إسرائيل. ليس لأمر إلا لأن "حماس" تمثل المحور الانقلابي في الشرق الأوسط الذي يدعو إلى خراب الأوطان في سبيل "إصلاحها" على قاعدة الولي الفقيه، وهو ما ترفضه، ليس الحكومات فقط، ولكن أيضاً الشعوب.

التضحية الهائلة التي قدمها الشعب الفلسطيني في عزة، أكان راضياً في بعضه، أو مضطراً في بعضه الآخر، تتضاءل نتائجها بسبب الحماقات السياسية التي انتهت إلى فكرة هدنة خمس سنوات، وخروج القوات الإسرائيلية، وترك "حماس" في السلطة من دون سلاح. حتى لو حدث ذلك الحل (وهو لن يحدث) فهو حل عبثي، لا يحقق للقضية برمّتها أي تقدم أو يضع الصراع على سكة الحل، وهو صراع استهلك الأخضر واليابس في عموم المنطقة من الأطلسي حتى الخليج، وما زال يستنزفها.

واضح أنه بعد هذه الأشهر القاسية، وبعد تحول الصراع مع إيران من الوكالة إلى الأصالة، ثم كما يبدو يعود إلى الوكالة، أن المعادلة كلها لم تعد قادرة على جلب مصلحة ما للفلسطينيين، وأن التفكير السياسي الغارق في الوهم والشعارات، لم يعد يؤتي أُكله، الوضع على الأرض مختلف، وكلما اكشفت قيادة "حماس" العسكرية في الداخل، والسياسية في الخارج ذلك، أصبح الطريق إلى وضع أفضل للفلسطينيين أكثر تعبيداً، إلا أن ذلك الاكتشاف لا يبدو أنه قريب، فقد سمعنا من غزة متحدثاً ينقل عنه القول إن ضربة إيران للكيان الصهيوني موجعة، وكأنه بكلامه ذاك، لا يعرف أن الآخرين أيضاً لديهم عقول ويستطيعون الحكم بأن تلك الضربة ليست أكثر من تمرين في العلاقات العامة المسلحة، فهي - إيران الرسمية - تقول لمن يريد أن يسمع، إننا لن نكررها لما تحمله من مخاطر على النظام نفسه!

مجمل القول السابق هو خارج التفكير النمطي والمقبول من غالبية متحمسة، تضع الشعارات في مكان أعلى من الحقائق الملموسة، فالشارع الغربي المتحمس سوف يطعم بمجموعة من التسويات التي ترضيه، وأما تأثيره فبعيد المدى على السياسيات في بلدانه، وسيكون ضئيلاً، ومع الزمن يختفي، لأن المصالح والقدرات الفعلية للتأثير على الرأي العام، هي أكثر تأثيراً في نهاية اليوم من العواطف الموقتة، في الوقت الذي ينشغل فيه الغرب بحرب يعتبرها الجميع "حرب وجود" في شرق أوروبا (أوكرانيا) وتأثيرها الأشد على الأمن الغربي، إذ يعطيها الأولوية القصوى، وما المبلغ الضخم الذي خصصه المشرع الأميركي لكل من أوكرانيا وإسرائيل أخيراً إلا مؤشراً واضحاً إلى أولويات ذلك الغرب.

من الواضح أن مبادرات "حماس" السياسية تأتي خطوات متأخرة على ما يجب فعله، فقد فتحت 7 تشرين الأول أبواب تسوية مشرفة للقضية، ولكن انتقلت "حماس" تراجعياً من شعار "تحرير فلسطين من النهر إلى البحر" إلى هدنة خمس سنوات ونزع السلاح، في بحر أشهر قليلة، ما ينم عن أن البندقية، أي بندقية، لا يواكبها مشروع سياسي يقرأ المتغيرات ويعرف توازن القوى ويقرر في الوقت المناسب اتخاذ قرارات مصيرية شجاعة، في غياب ذلك المشروع، تبقى البندقية عمياء لا تحقق إلا الدمار لأهلها، كما نشاهد اليوم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة في أسباب الحركات الطلابيّة في الغرب والقضيّة قراءة في أسباب الحركات الطلابيّة في الغرب والقضيّة



GMT 08:07 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 08:06 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 08:05 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

GMT 08:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 08:01 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 08:00 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

سوريا واللحظة الحرجة!

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ترمب ــ «بريكس»... وعصر القوى المتوسطة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon