اليوم الثاني من آب (أغسطس)، قبل ثلاثة وثلاثين عاماً اتخذ صدام حسين قراراً كارثياً باحتلال الكويت، ولقد جرت مياه كثيرة منذ ذلك اليوم المشؤوم من بينها احتلال العراق وشنق الزعيم وخراب أتاح لإيران تدخلاً مر عليه اليوم عقدان من الزمان ولا يبدو أن للعراق كما نتابع خروجاً من المأزق.
كيف يتخذ القادة قراراتهم المهلكة، وبخاصة قادة البلاد الشمولية. باختصار، السير وراء الأوهام ذلك ما تكرره البشرية من دون التعلم من الدروس، احشر الناس في مأزق أيديولوجي أو قومي أو ديني أو مذهبي وخذهم الى الجحيم.
ليس المكان ولا الزمان للبكاء على الماضي، اليوم هو للاجتهاد في محاولة تفكيك تلك العقلية، والتساؤل المركزي: هل ما زالت معنا؟ وهل يمكن أن تحدث كوارث أخرى مشابهة بسبب وجودها؟.
وما هي الدروس المستفادة من تلك الكارثة؟
الأول هو الانتباه الى أن القول المردد من القيادات على قاعدة أيديولوجية مستخدماً التحشيد والتخويف قد يتحول في لحظة ما الى عمل كارثي، في الذهن عدد من القضايا التي نعايشها في فضائنا العربي وفي الجوار. ففي لبنان يفقد اللبنانيون قدرتهم على العيش في دولة تضمن الحد الأدني من ضمان الحياة في المأكل والمشرب والطاقة والأمن، لأن فيها شريحة تحمل السلاح بأكثر مما لدى الدولة تأخذ الجميع الى الكارثة في التهديد الدائم والعلني بتخريب السلم الأهلي أو الاشتباك مع قوى في الجوار أكثر تنظيماً وعتاداً. إنه الاعتداد المبالغ فيه بالنفس والازدراء الكامل للعدو، وهي صيغة كارثية تأخذ البلاد والعباد الى المحرقة، كما أخذ صدام حسين العراق كله الى مقبرة الفقر والتناحر والشقاق. وفي الجوار أيضاً إيران، هناك أيضاً قيادة ترى أنها معصومة ومطاعة، وأن نموذجها في الحكم والسلطة يجب أن يسود في الجوار وفي العالم، وعلى استعداد لأن تواجه كل المخاطر، بما فيها مخاطر تجويع الشعب وإرهابه في الداخل، والتغول والتدخل في الجوار الى درجة تخريب الأوطان المجاورة كما يحدث في عدد من الدول العربية، والوقوف أمام العالم.
الثاني القيادات المعصومة التي تعتقد أنها منزهه عن الخطأ ومنها الكثير اليوم في محيطنا العربي. هي لا تقبل التشاور ولا تعرف معنى الاستماع الى الآخر وفي الوقت نفسه لا تقدر نتائج قرارتها السياسية والاقتصادية، فتأخذ الجميع الى الكارثة، على أنها ملهمة وتعرف ما لا يعرفه الآخرون! إنه الاعتداد الجاهل بالنفس والقدرات، ولنا في سوريا مثال واضح على مثل تلك القيادة التي أخذت بسبب تصرفها السياسي البلاد الى محرقة حقيقة للبشر والحجر والزرع والضرع، وسلمت الدولة الى قوى جلبتها للمساعدة فقط لإبقاء ثلة من الناس في السلطة، فعل لم يكن تصور حدوثه حتى لأكثر الناس خيالاً، ومع ذلك ما زالت تطلق الشعارات وتدعي الانتصار !بل تتعدى على الجوار وتشجع عصابات الجريمة والمخدرات لتهديد الجوار ومنه الأردن البلد الذي ضاق ذرعاً بتلك المحاولات حتى وصل الأمر الى أن يقوم الملك نفسه بالتحذير والإنذار.
كما في الذهن ما يحدث في اليمن من استحواذ بالقوة على الدولة من قبل جماعة تدعي قيادتها المعصومية، وفي الوقت نفسه يقتل الآلاف من اليمنيين جوعاً أو قهراً من دون أفق لذلك الصراع الدموي الذي خرب اليمن و لا يزال يفعل.
ثالثاً: لعل الدرس الأهم الذي يمكن أن يذكر هو صمود الكويتيين أمام الغزو، فكل محاولات الغازي تطويع الناس قوبلت، ليس بالرفض فقط من معظم المواطنين، بل بالمقاومة، لأن أخطر ما يمكن أن يحدث لشعب ويمكن أن يفقد حريته ووطنه أن تنضم شريحة منه الى المحتل، تلك المقاومة أسست لتحرير الكويت.
تلك بعض الدروس التي أفرزها الفعل الأخرق لصدام حسين ومجموعته المطيعة والخائفة في ذلك اليوم الأسود من تاريخ العرب الحديث.
يلوح في الأفق خيار مماثل لبعض القوى الإقليمية مستنداً الى حسابات غير واقعية ومتكئاً على شعارات طائفية ومذهبية ومهدداً للأمن والسلامة في المنطقة، فذلك الغزو الكريه وإن انتهى في بقعة من أرض العرب، ما زالت احتمالاته تصيب بقعاً أخرى وتنذر بتخريب الأوطان، لأن العقلية هي نفسها عقلية التوسع وعقلية القمع وعقلية الاثرة، وعقلية كره الآخر.
لقد ضرب الاحتلال العراقي للكويت التضامن العربي في مقتل، ولولا بعد نظر القيادة الكويتية وتسامح الشعب الكويتي، لما عاد للتضامن العربي ليقوم من جديد، وهو اليوم قائم ولكن على بساط من الشك والتردد. ولولا تلك الفعلة الهوجاء لكان وضع التعاون العربي الاقتصادي في مكان أفضل مما هو اليوم، فما زال ذلك التعاون تنتابه الشكوك.
أما المهزلة الكبرى فهي عندما أرسل صدام حسين بضعة صواريخ تجاه إسرائيل، وقتها هلل كثيرون لذلك الفعل، وكتب البعض أننا أمام بوابة القدس المحررة ثم تبين أن تلك الصواريخ كمثل فعل الصراخ لا تقدم ولا تؤخر. اليوم نرى الكثير من الصراخ تجاه إسرائيل وفي الواقع نسمع جعجعة ولا نرى طحناً، إنما الأنكى من كل ذلك أن هناك جمهوراً مغيباً يصدق تلك الادعاءات ويسير مصفقاً خلفها بهبالة.
لقد فتح لنا الغزو الصدامي نحن في الكويت وفي الخليج آفاقاً لم نكن لنعيها لولا الغزو، وهي تختصر في أن الشعوب المغلوبة لا تقاوم، هي تساعد الغازي على الاحتلال كما حدث في العراق ولبنان، فقط الشعوب الحرة هي التي تقاوم، فرغم كل العديد والعدة التي جاء بها صدام الى الكويت، وجد مقاومة من الناس لم يكن يتوقعها، وتمثلت تلك المقاومة والرفض في مؤتمر جدة (تشرين الاول/أكتوبر 13-15) الذي جمع كل الأطياف الكويتية على قلب رجل واحد هو رفض الغزو. كما وقفت دول الخليج جميعها مع رفض ذلك العمل الأخرق. إنها دروس وجب أن يعيها الجيل لمنع الحمقى من تخريب الأوطان.