توقيت القاهرة المحلي 22:46:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ديمقراطية للبيع!

  مصر اليوم -

ديمقراطية للبيع

بقلم : د.محمد الرميحى

تجري الدعوة لانتخابات عامة في أكبر الدول الغربية، الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، حيث دعي الناخبون لاستخدام حقهم الانتخابي في 4 يوليو المقبل، وجرت مناظرتان في بريطانيا بين رئيس الوزراء وزعيم المعارضة في السباق إلى بيت رقم 10 مقر الحكومة البريطانية.

 

عشت فترة في بريطانيا، وخرجت بانطباع عام أنها البلد، ربما الأكثر تمثيلاً للديمقراطية الحديثة لأسباب عديدة، منها قدمها وتدرجها، ومنها الممارسة، ووجود جمهور عام لديه مستوى من الوعي، فأنت تلمس أن المعلومات العامة متوفرة هي نفسها لدى رجل الشارع وأستاذ الجامعة تقريباً. في الأسابيع الأخيرة أتابع كغيري ما يجري في الحملة الانتخابية، والمواجهة بين الحزبين الكبيرين، المحافظين والعمال، مع منافسة متوسطة المستوى من أحزاب أخرى.

اتسم النقاش بين الرأسين المتنافسين الذي تم على شاشات التلفزة بالكثير من الرزانة، دون تجريح أو تحقير أو أصوات عالية، ذلك ما يظهر على السطح، طبعاً مع الكثير من الوعود التي تقدم للناخب!

على مقلب آخر، وقع في يدي كتاب بالإنجليزية بعنوان (ديمقراطية للبيع: الأموال السوداء والسياسة القذرة) للصحافي البريطاني بيتر جيوجين، والذي قدم بشكل مسهب كيف يضلل الجمهور، حتى في المجتمعات المتقدمة، من خلال الديمقراطية!

وجاءت موضوعات الكتاب من معايشة لصيقة بالعملية الانتخابية في كل من بريطانيا والولايات المتحدة.

فعشية الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي في 23 يونيو 2016، بعد صراع داخلي طويل، ظهر على الفيس بوك خبر يقول (إن تركيا سوف تدخل الاتحاد الأوروبي، وإن ملايين العمال الأتراك سوف يتدفقون على بريطانيا) هذا الخبر انتشر في المدن العمالية في شمال إنجلترا، وفي اليوم التالي ظهرت نتيجة التصويت في الشمال التي بلغت أكثر من 60 % خوفاً من الطبقة العاملة على وظائفها، وهي النسبة التي رجحت بنسبة قليلة عملية الخروج.

يكشف الكاتب أن تلك الحملة ليست إلا (أخباراً كاذبة) بثت الخوف في شريحة واسعة من البريطانيين، مع تمسك السياسيين بالخروج من الاتحاد، رغم أن كل الخبراء الاقتصاديين، بمن فيهم حاكم البنك المركزي حذروا من مغبة الخروج، وأيضاً بعض السياسيين المخضرمين، بل لاحقاً قال ديفيد كاميرون رئيس الوزراء، والذي وعد بالاستفتاء، قال في مذكراته التي نشرت لاحقاً إنه أخطأ خطأ كبيراً.

جراء الخروج من الاتحاد خسرت بريطانيا موقعها المميز كعاصمة للمال في أوروبا، كما هجرها الكثير من المهنيين، كالأطباء والعاملين في البنوك، ونقصت اليد العاملة الزراعية، ما سبب مشكلات اقتصادية ضخمة عانت وتعاني منها بريطانيا حتى اليوم، منها تراجع كفاءة الخدمات الصحية، وتقلص الإنتاج الزراعي والصناعي، وفقد سوق ضخمة هي سوق الدول الأوروبية، التي أعادت فرض ضرائب استيراد على الصناعة والخدمات المقدمة من بريطانيا، إلا أن الأسوأ، والذي يشكل مفاجأة غير سارة للجمهور البريطاني، أن عدد المهاجرين إلى بريطانيا زاد ثلاث مرات عما كان عليه قبل خروجها من الاتحاد!

الخسارة الكاملة، كانت وراءها الشعبوية السياسية التي جعلت جملة من السياسيين ينساقون مع العواطف، ويغازلون العامة بأحلام هي أبعد عن الحقيقة. الاستقلال وحماية الحدود وتوفير العمل للمواطنين! كلها كانت كذبة كبيرة.

كان وراء تلك الكذبة المال الأسود كما يرى الكتاب، فقد تدفقت أموال من الداخل والخارج لصنع واقع افتراضي للجمهور العام من خلال وسائل الإعلام الجديدة وحتى التقليدية لفرش المستقبل بالورود، ذلك هو الخلط بين الديمقراطية بمعناها المثالي وممارسة التضليل والتمويه لجعل الجمهور يتصرف من خلال صناديق الانتخاب بطريقة معينة.

وهي معضلة الديمقراطية كما نشاهد اليوم في تعزيز (الخوف من الآخر) والتوجه إلى اليمين في ظاهرة حماية المصالح الوطنية، وفي باطنه الإضرار من دون رجعة بمصالح الجمهور العام.

لذلك ليس من المستبعد (وهنا أغامر بالافتراض) في حال وصول العمال إلى الحكم، سوف يحاولون إرجاع الساعة إلى ما قبل عام 2016، بطريقة أو بأخرى، فهل يفعلون؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ديمقراطية للبيع ديمقراطية للبيع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 18:02 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
  مصر اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم الدشاش

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%

GMT 21:48 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon