توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رأي في عقول معاصرة!

  مصر اليوم -

رأي في عقول معاصرة

بقلم : د.محمد الرميحى

 

 

في تغريدة حصدت خلال أيام نحو مائتي ألف متابع انهالت التعليقات عليها، والتغريدة كانت كالتالي:

«منع التعليم المشترك... بعده... لا سفر للمرأة دون محرم... بعده... فصل الرجال عن النساء في العمل... بعده... منع عمل المرأة... بعده منع تعليم المرأة... بعده... الاستيلاء على الوطن ودمجه مع «الدولة العظمي المتخيلة» فاربطوا الأحزمة...». مناسبة التغريدة هي الضجة التي صاحبت اقتراح بعض أعضاء مجلس الأمة الكويتي بفرض فصل البنين عن البنات في التعاليم العالي، حسب فهمهم لقانون قديم صدر في التسعينات وله ظروفه، مع أن المحكمة الدستورية قضت بأن الفصل يتم في قاعة التدريس وليس في قاعات تدريس مختلفة.

حدثت ضجة في المجتمع الكويتي حول هذه القضية، كلٌّ أدلى بدلوه معارضاً أو موافقاً، مع تشعب الآراء واختلافها، إلا أن اللافت أن هناك من لا يوافق على التغريدة وأخذ الموضوع –حسب فهمه وقدرته- إلى أماكن أخرى، أستأذن القارئ بعرض بعضها، لأنها هي (أي تلك الردود) صلب هذا المقال. من الردود ما يلي:

«الله يسمع منك ويحقق كل ما قلت»، أي كل ما قلت نرجو أن يتحقق، في نبرة لا تخلو من «السخرية». وآخر قال: «انت ليش زعلان». وآخر قال: «وماذا تسمي حفلات الترفيه المختلطة». وآخر قال: «الذي يطيع الإسلام أصبح منحرفاً»! وآخر قال: «الإسلام حرّم الاختلاط ولم يحرم التعليم». وآخر: «منع الاختلاط وسفر المرأة بلا محرم أمر إسلامي، وفصل الرجال عن النساء بأمر إسلامي». وآخر قال: «من أغبى ما قرأت». وآخر قال: «بوق من أبواق الشيطان». وآخر قال: «القدْح في من يتبع الدين قديم»... ذلك بعض وليس كل التعليقات، لأنها من الكثرة التي ربما لا تتسع لها مساحة مقال.

إذاً هي معركة كلامية بالغة العنف وعابرة بين رجال ونساء ومحليين ومحيطين، تبتعد في رأي عن النقاش الفكري ولا تتورع عن مهاجمة الأشخاص في دينهم أو أخلاقهم.

ليست تلك المعركة الكلامية جديدة في تاريخنا، لقد مررنا بتجارب مريرة، فكلما جاء جديد، هو إما «غربي مفروض علينا» وإما «مضاد للدين»، على سبيل المثال لا الحصر، وقفت المطبعة الحديثة على أبواب العالم الإسلامي لمدة ثلاثة قرون كاملة، لأن «شيخ دين» أفتى بحُرمتها في البلاط العثماني آنذاك، وتقدمت أوروبا بسبب وجود المطبعة وطباعة عشرات الكتب في العلوم الحديثة، ولم تدخل المطبعة إلا مع الحملة الفرنسية على مصر في الهزيع الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي، في بداية القرن الماضي أفتى الشيخ محمد عبده، نتيجة سؤال قادم من مسلم في جنوب أفريقيا، ما إذا كان يحق له لبس القبعة وهو يعمل مزارعاً في الشمس، فأفتى الرجل المستنير بلبسها، وتم الهجوم عليه إلى درجة إخراجه من الملّة. كما حصلت مجتمعاتنا على فتوى من قبل بتحريم استخدام البارود في الحروب، لأنها من صنع «الكفار». بل في وقت ما حُرم الطربوش وحتى لبس البنطلون. والمعاصرون يمكن أن يتذكروا أن «لبس المرأة البنطال حرام أيضاً»!

مثل تلك الأفكار التي تنقلب إلى تصرفات في الكثير منها «عمياء»، كما يفعل «داعش» و«القاعدة» في أيامنا، هي التي جعلت ما يُعرف بـ«رهاب الإسلام» في مناطق كثيرة من العالم ينتشر.

أيُّ عارف بالإسلام على يقين أن مقاصد الإسلام السمحة لا تتناقض مع مبادئ الحضارة الحديثة، وليس من العقل أن يكون اثنان من كل ستة أشخاص تقريباً ممن يعيشون على الأرض اليوم هما من المسلمين، ولكن معظمهم جامعاتهم مشتركة بين البنين والبنات، ويعيشون تحت أنظمة حديثة بل بعضها متطور، أي إنهم جسّروا التراث مع الحداثة.

في فضائنا القريب ولأسباب سياسية بلغت «الهوية الإسلامية» حد التأزم، إلى درجة الخلط بين مبادئ الإسلام السمحة والتقاليد القبلية أو الجهوية الضيقة، بل الخرافات، إلى درجة إنتاج أنواع من الإسلام الحركي أدى إلى خلق ثنائية مأزومة بين الحديث وبين التراث.

لذلك فإنّ من علّق على تلك التغريدة بالسالب لا يلام كشخص، فهو نتيجة تعليم وتثقيف طويل الأمد حصل على قشور من الأفكار الإسلامية، وليس على فهم عقلي ومنطقي للدعوة المحمدية، التي هي في جوهرها لا تتناقض مع مسايرة الزمن في المعاملات، ولو فكر بعضهم في المحيط بعقل مفتوح لما وجد اليوم «أسواقاً للنخاسة وبيع العبيد في الدولة العربية أو الإسلامية قاطبة» ولن يجد «سارقاً قُطعت يده»، كما لو فتش في كل التاريخ فلن يجد مؤسسة تسمى «مجلس الأمة» يُنتخب في فترات محددة، ويحكمه دستور حديث ينظم العلاقة بين السلطات الكبرى في المجتمع.

ثنائية التواؤم مع الحديث أو القطيعة معه، إحدى مشكلات الثقافة الإسلامية الحديثة، وهي من المشكلات التي لم يُبذَل جهد فكري حقيقي لمناقشتها إلا ما ندر، فقد تم فرض «الاختيار العشوائي للتراث» على مدارسنا وجامعتنا وإعلامنا، وتفجر ذلك الانتقاء العشوائي بسبب وسائل اتصال «اخترعها الغرب بالمناسبة» فأصبح لدينا سيل من الانتقاء العشوائي للمعلومات، إلى درجة أن أصبح السجال مشوشاً ومجحفاً ومشوباً بالعاطفة وبعيداً عن العقل، لذلك نجد أن الاتهام يأتي قبل النقاش العقلي، و«تأكيد» الذهاب إلى «جهنم» قبل الإيمان بأن ذلك من حق الرب وليس من حق المخلوق، والتحق القوم بالقشور بدلاً من البحث المضني عن المقاصد ذات البعد الكوني والإنساني.

لا مناص من القول: إن الدين بشكل عام هو جزء من هوية المجتمع، حتى في بلد مثل فرنسا التي قررت في قانون صدر عام 1905 فاصلاً بين الدولة والدين، يرى كثير من أوساطها اليوم أن الدين المسيحي والكاثوليكي على وجه التحديد جزء من هويتها الوطنية وذاكرتها التاريخية. كما أنه في الولايات المتحدة لا يمكن في الغالب لرئيس أن يُنتخَب دون أن يتحدث عن الله، لذلك من غير المنطق فصل الدين عن المجتمع، إلا أن عمود القضية الأساسي: أيُّ تفسير للنصوص التراثية نأخذ به؟ ولقد تحدث قبلنا كثيرون من مفكري الإسلام المجددين أن الثابت في الإسلام هو العقيدة والعبادات، وبقية ما يصادف المجتمعات هي «معاملات» تخضع بالضرورة للعقل والمصالح العامة وتغير الزمن، وأخطر ما يمكن على الممارسة الدينية أن تخلط خلطاً غير صحي بين الثابت والمتحول، ذلك ما يُسمم إلى اليوم النقاش العام في مجتمعاتنا.

آخر الكلام:

في المجتمعات الحديثة من حق الأفراد أن يعتقدوا بما يريدون، ولكن ليس من حقهم فرض قناعاتهم في شكل تشريع على الجميع!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رأي في عقول معاصرة رأي في عقول معاصرة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon