توقيت القاهرة المحلي 10:20:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القطبة المخفية في الثقافة العربية!

  مصر اليوم -

القطبة المخفية في الثقافة العربية

بقلم : د.محمد الرميحى

الثقافة والتفكير الثقافي يقودان المجتمعات، إما إلى الفلاح أو الطلاح، ولعل ذلك ينطبق على الثقافة العربية، وخاصة الثقافة السياسية المعاصرة. في الذهن «علاقة الإسلام بالسياسة»، فمعظم المجتمع العربي هو مجتمع مسلم، وإلباس السياسة بالدين عملية جاذبة لجمهور واسع من الناس، إلا أن ذلك الإلباس «إن صح التعبير» قد قاد ويقود إلى طرق مسدودة في التنمية والمعاصرة، ومعظم «المعارك» الفكرية السياسية اليوم حولنا نابعة من ذلك اللبس «بين الدين والسياسة»! لا يحتاج القارئ إلى ضرب أمثلة، فهو يلمسها حوله، وإن تشكلت بصور مختلفة في مجتمعات مختلفة، إلا أن جوهرها واحد، ولم يشرع أحد في علاجها. في معظم الدول العربية أصبح تنظيم «الإخوان المسلمين» تنظيماً محظوراً، ذلك بسبب «شهيته الانقلابية» التي تبشر بسراب «الدولة الإسلامية الواحدة»! كما مرت دول مثل السودان ومصر وتونس «أذكر البعض فقط» في العقود الأخيرة بتجارب مريرة من حكم تلك الجماعات، وهي ما زالت تعاني حتى اليوم من نتائجها الكارثية، كما أن مجتمعات عربية أخرى غير قادرة على التخلص من تأثيره المباشر أو غير المباشر، وقد فرخ ذلك التوجه جماعات متشددة، منها «القاعدة» و«داعش» وأمثالهما، ما استنزف كثيراً من الطاقة والجهد، وضياع جهود التنمية. قد يجد البعض أن بعض أعضاء الجماعة «ذوي نوايا طيبة» يبتغون الإصلاح لما يرونه من أخطاء في نظرهم بالمجتمع المحلي، لكننا هنا بصدد «الآيديولوجية»، وليس نوايا الأفراد. يرغب بعضنا في وضع يده على «القطبة المخفية» في هذه المعضلة الثقافية - السياسية، فهو في الغالب في حيرة بين مقاصد الإسلام السامية، وأهمية الدين للإنسان، وبين تنظيم له مخطط آخر في الغالب خارج عن العصر، إنها معركة الثقافة العربية وربما الإسلامية الكبرى اليوم. القطبة المخفية هي العلاقة بين الإسلام الحركي - السياسي، وبين الإسلام الشعبي، إن صح التعبير، فالأول يتغذى على بحيرة هائلة من الإسلام الشعبي، ما يهيئ له أرضية في المدارس بدرجاتها المختلفة والجامعات، حتى المؤسسات الرسمية والإعلام بأشكاله وتنوعاته. صديق في ديوانية، وهو مربٍ وله اطلاع، حدثنا مرة عن «احتجاج ابنه المراهق على طريقة شربه للماء»، فقد همّ بتناول بعض الماء وهو خارج من المنزل، فنهره ابنه! عليك أن تجلس لتناول الماء! وعندما سأل؛ من علمك ذلك؟ قال المدرس في المدرسة، فلا يجوز «شرعاً» أن تتناول الماء وأنت واقف!

في العشرية الأولى من القرن الحالي كان لكاتب هذه السطور مقال مطول نشر في مجلة العربي حول «التسامح» وأهميته في التعايش بين مكونات المجتمع، أحدهم التقط المقال وقرره قراءة على الصف الأخير في الثانوية، ودعيت في محاضرة للطلاب، وفوجئت بالنص مكتوباً في كتاب القراءة، وعليه أسئلة، وأول سؤال كان: «كيف تثبت أن كاتب المقال مسلم؟»، طبعاً صعقت مما قرأته، لأن موضوعاً عن التسامح أريد به غير ما أنشئ من أجله! لأسباب لا تخفى. تلك بعض التجارب، وأحسب أن القارئ الفطن لديه تجارب أخرى أكثر عمقاً في تطويع النصوص لتهيئة الجيل كي يُلتقط جاهزاً من جماعات التشدد. الكلمات المفتاحية هنا هي «المنهج والمُدرس»، واسمها العام تدريس الدين في المدارس العامة التي تهيئ أرضاً خصبة للمتشددين لالتقاط ضحاياهم، وخاصة المراهقين، تمهيداً لتشكيل عقولهم باتجاه الانخراط في التنظيم، وهو هنا الإسلام الحركي بكل فروعه وتشعباته. لقد أهملت المدرسة لفترة طويلة في معظم الدول العربية وتركت كي تقدم للأجيال «قشور الدين» وليس مقاصده، وكذلك المنهج وتكوين المدرسين، واعتقدت السلطات أن تعلم الدين فيه منفعة للناس والسلطان معاً، ومن ثم تم تركه لتلك الفئة من الناس، ولكن لم يتوقف أحد ليسأل؛ أي محتوى يقدم للشباب من الجنسين؟

لقد استفادت من الفكرة العامة، وهي بحد ذاتها طيبة، استفادت منها الحركات المنظمة لبث أفكار جامدة حول الدين، وخاصة المعاملات، حتى أصبح هناك جيل كامل تلقى هذه الأفكار، دون توقف على حقيقة بشرية جامعة؛ هو أن الزمن يتغير وشروط الحياة تتغير، وبالتالي استخدام الفكر العقلاني لاستنباط الأحكام المناسبة للعصر من النصوص لمواءمة مصالح المجتمع. المؤسف أنه بشكل عام لم يظهر على سطح النقاش في معظم المجتمعات العربية ما يمكن أن يعرف بإصلاح حقيقي في تعليم الإسلام الشعبي، فهو لا يزال فاعلاً ومتشبثاً بالقشور وبيئة صالحة للتجنيد العاجل وغير المكلف، باتجاه التشدد، ولم تكن هناك شجاعة لهذا الإصلاح المستحق. نعم، الدين بشكل عام يشكل حاجة إنسانية، لكن مثله مثل أي شيء آخر في حياة الإنسان يحتاج إلى أن ينقى من الشوائب التي علقها الإنسان عليه لمصلحة ما!

تتردد كثير من الأنظمة بشكل عام في النظر في هذا الملف «خشية أو تجاهلاً أو ابتعاداً عما يُغضب»، لكنها بذلك تترك الباب مفتوحاً لأن يأخذ البعض كل المجتمع بسبب فتوى غامضة وملتبسة تدعي العلم إلى طريق مسدودة، ما ينشأ على أكتافه الإسلام الحركي الانقلابي، بل إن بعض القيادات مسايرة لذلك التوجه تبدأ خطبها وتوجيهاتها بالبسملة والحوقلة في عبارات طويلة قد تأخذ، من دون مبالغة، ثلث الخطاب السياسي!

حظر حركة «الإخوان» هو جزء من كل، أما الحظر فقط، وبالتالي ترك التعليم تتفشى فيه تلك الأفكار المهيئة للتشدد واستقبال من ينصب نفسه «داعية» استقبال الفاتحين، وإغراق الجمهور إعلامياً بأفكار مشوهة عن الدين، وترك جماعات وأفراد يجمعون المال تحت شعار ديني، نتيجة ذلك.

آخر الكلام

الإسلام الحركي سوف يظل باقياً معنا وإن تغير جلده، وسوف يستمر لأن المجتمع يهيئ له المادة الخام لاستمراره.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القطبة المخفية في الثقافة العربية القطبة المخفية في الثقافة العربية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon