توقيت القاهرة المحلي 11:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل دول الخليج بحاجة إلى إصلاح سياسيّ؟

  مصر اليوم -

هل دول الخليج بحاجة إلى إصلاح سياسيّ

بقلم : د.محمد الرميحى

إن نظرنا إلى المستقبل المنظور فإن احتمال وقف الحرب الأوكرانية الروسية سوف ينتج منه عموماً تراجع أسعار المواد الأولية، ومنها النفط، فالحروب لا تدوم، وهو، أي النفط، ما تعتمد عليه دول الخليج عامةً في موازناتها ووضع خططها التنموية، مع مستويات مختلفة الدرجات من خطط البدائل منه المنفذة اليوم. ولكن حتى الساعة، فإن معظم دخل دول الخليج هو من النفط أو الغاز. في الوقت نفسه، فإن هذه المجتمعات تشهد نمواً مطرداً في حجم السكان وفي توسع التعليم في الكم، كما تشهد وعياً تخلقه وتشكله التقنية الحديثة، يتيح شهوة مطالب اقتصادية واجتماعية متعاظمة.
 
هذه المجتمعات تعيش اليوم في مستوى اقتصادي معقول، ولكن في المستقبل، مع احتمال مؤكد لانخفاض أسعار المواد الكربوهيدراتية نتيجة الفائض الذي سوف يتحقق، بسبب حاجة روسيا لتعويض خسائرها في الحرب، وأيضاً تسارع البدائل التقنية، فإن أسعار تلك السلع سوف تتراجع بشدة مع ارتفاع في أثمان السلع الاستهلاكية والمصنعة الأخرى، ما يزيد من تراجع في مستوى المعيشة يسبب عدم الرضا وضعف في قدرة الدولة على الوفاء بالمطالب الجديدة، ما يشكل مأزقاً سياسياً واجتماعياً لا جدال فيه. 
 
إذا كانت ثمة أخطاء سياسية كبيرة في المنطقة اليوم، فهي مغطاة نسبياً بتدفقات مالية كثيفة قد تخفي تأثير تلك العيوب وتسد النقص وتقلل من مستوى عدم الرضا. 
قد يجد البعض أن الكلام السابق (خيالي)، ولكن ذلك هو الشعور البشري. إن الغد للبعض لن يأتي، أو سوف يأتي متأخراً، هو افتراض تنقصه الرؤية ويكذبه واقع مجتمعات كثيرة حول العالم وفي شرقنا العربي. 
 
الحل هو التخطيط للمستقبل عن طريق وضع خريطة طريق للإصلاح السياسي، وفي صلبه مشاركة قانونية ومنظمة للجمهور العام في اتخاذ القرار الخاص بحياته. طبعاً ذلك يحتاج إلى تمهيد طريق، وذلك التمهيد يبدأ من المدرسة وبكل تدرجاتها، فالمجتمع الخليجي كما هو قائم مقاوم إلى حد كبير لثقافة المشاركة والانصياع للقانون من الجميع. والتجارب أمامنا واضحة. فهناك أكثر من ستة عقود من المشاركة المتعثرة في بلد مثل الكويت، وفشلت تلك الممارسة الطويلة في قضيتين أساسيتين: الأولى هي نقل الثقل السياسي عامةً من التوزيع إلى الإنتاج، والثانية عدم الفصل بين الرأي والشخص المطلوب في الممارسة الصحية للديموقراطية، وهما مرضان متصلان في ثقافة المجتمع الخليجي والكويتي الريعي، وهي ثقافة جديدة لم تكن موجودة في عصر ما قبل النفط، ولكنها تأصلت.
 
إذاً، النظر إلى المستقبل الذي يفرض تحسين شروط المشاركة هو أمر حتمي، وخطوته الأولى والأهم هي إصلاح التعليم، وهو أمر لا يظهر في عناوين الصحف أو يناقش بجدية بين النخب على مستوياتها المختلفة.
 
فالتعليم يمكن أن يحسّن فهم التحول من ثقافة التوزيع إلى ثقافة الإنتاج، وهو في وضعه الحالي لا يستطيع أن يقوم بتلك المهمة، لأن ثقافة التوزيع هي السائدة، وكأن دخل النفط والغاز دائم ومستمر وفي تصاعد، وهو ليس كذلك. ثقافة التوزيع تجدها في مدارسنا اليوم، لأن ربط الشهادة بالوظيفة يعني استمرار ظاهرة الغش في المدارس، وتزوير الشهادات حتى العليا منها، والتسليم بتصاعد مكافآت الطلاب بصرف النظر عن إنتاجهم المدرسي! فوق ذلك فإنه تعليم يعظم بطريقة أو بأخرى التفكير الماضوي الممزوج بأساطير، وهو هدف يحمله ويذود عنه "الإسلام الحركي" الذي يتغذى على "الإسلام الشعبي"، ولأن الأخير لم تُبذل فيه جهود جادة لتكوين رأي عام مستنير في مقاصده، فهو يشكل احتياطياً استراتيجياً للإسلام الحركي، والدليل لدينا واضح، فإن عدداً من أعضاء مجلس الأمة القائم في الكويت قدموا مجموعة اقتراحات مع شرط  "على الطريقة الشرعية"!! اعتقادهم أن الشريعة ثابتة، فكيف يقام مصنع أدوية مثلاً، كما جاء في أحد الاقتراحات، على الشريعة الإسلامية! وأي قارئ بشيء من العمق يعرف أن الشريعة متغيرة واجتهادية، فليس من الشريعة (أي ما سنّه الآباء) انتخابات ومجالس منتخبة! كما أن بعض الحدود قد تجاوزتها الإنسانية (كبيع العبيد) أو (قطع يد السارق) ومثلها من الأمثلة، هنا نجد أن "الإسلام الشعبي" لم يقم أحد حتى الساعة بتطويره والملاءمة بينه وبين العصر، فجاء الإخوة أصحاب الاقتراح باجتهاد ظنوا أنهم يعملون الشيء الصحيح! ذلك مبلغهم من العلم!
 
إذاً هذه المجتمعات عموماً في دائرة لا فكاك منها من السير نحو الاضطراب، بسبب تفاعل كل تلك العوامل التي ذكرنا بعضاً منها سابقاً.
 
وما الحروب حولنا من اليمن إلى السودان إلى التفكك العراقي والسوري والليبي وحتى التونسي، إلا نتيجة طبيعة لبطء القرار الإصلاحي الذي تحتاجه طبيعياً المجتمعات في عصرنا.
 
عند وضع خطط لتطوير التعليم وإدخال مادة إلزامية على مستويات التعليم في (ثقافة الديموقراطية وشروطها)، وعرض تجارب الأمم وأسباب نجاحها، فإن أي خطط فوقية لتطبيق الديموقراطية ستكون منحرفة عن مقاصدها، ديموقراطية التوزيع وديموقراطية الشخصنة وديموقراطية التطبيق الانتقائي للقانون وديموقراطية المصالح، كما نشاهد في التجارب القليلة حولنا. 
 
إلا إن المشاركة هي مستقبل يجب العمل من أجله بوعي، ولكنها مشاركة واعية ناضجة لا مدرسة صمت، ولا مدرسة مشاغبين، لأن الخيار الذي قد يتاح إن تم ذلك، هو أن تُختطف هذه المجتمعات تحت شعارات أيديولوجية زاعقة إلى الجحيم الذي تعانيه شعوب حولنا!! 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل دول الخليج بحاجة إلى إصلاح سياسيّ هل دول الخليج بحاجة إلى إصلاح سياسيّ



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon