توقيت القاهرة المحلي 05:05:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل دول الخليج بحاجة إلى إصلاح سياسيّ؟

  مصر اليوم -

هل دول الخليج بحاجة إلى إصلاح سياسيّ

بقلم : د.محمد الرميحى

إن نظرنا إلى المستقبل المنظور فإن احتمال وقف الحرب الأوكرانية الروسية سوف ينتج منه عموماً تراجع أسعار المواد الأولية، ومنها النفط، فالحروب لا تدوم، وهو، أي النفط، ما تعتمد عليه دول الخليج عامةً في موازناتها ووضع خططها التنموية، مع مستويات مختلفة الدرجات من خطط البدائل منه المنفذة اليوم. ولكن حتى الساعة، فإن معظم دخل دول الخليج هو من النفط أو الغاز. في الوقت نفسه، فإن هذه المجتمعات تشهد نمواً مطرداً في حجم السكان وفي توسع التعليم في الكم، كما تشهد وعياً تخلقه وتشكله التقنية الحديثة، يتيح شهوة مطالب اقتصادية واجتماعية متعاظمة.
 
هذه المجتمعات تعيش اليوم في مستوى اقتصادي معقول، ولكن في المستقبل، مع احتمال مؤكد لانخفاض أسعار المواد الكربوهيدراتية نتيجة الفائض الذي سوف يتحقق، بسبب حاجة روسيا لتعويض خسائرها في الحرب، وأيضاً تسارع البدائل التقنية، فإن أسعار تلك السلع سوف تتراجع بشدة مع ارتفاع في أثمان السلع الاستهلاكية والمصنعة الأخرى، ما يزيد من تراجع في مستوى المعيشة يسبب عدم الرضا وضعف في قدرة الدولة على الوفاء بالمطالب الجديدة، ما يشكل مأزقاً سياسياً واجتماعياً لا جدال فيه. 
 
إذا كانت ثمة أخطاء سياسية كبيرة في المنطقة اليوم، فهي مغطاة نسبياً بتدفقات مالية كثيفة قد تخفي تأثير تلك العيوب وتسد النقص وتقلل من مستوى عدم الرضا. 
قد يجد البعض أن الكلام السابق (خيالي)، ولكن ذلك هو الشعور البشري. إن الغد للبعض لن يأتي، أو سوف يأتي متأخراً، هو افتراض تنقصه الرؤية ويكذبه واقع مجتمعات كثيرة حول العالم وفي شرقنا العربي. 
 
الحل هو التخطيط للمستقبل عن طريق وضع خريطة طريق للإصلاح السياسي، وفي صلبه مشاركة قانونية ومنظمة للجمهور العام في اتخاذ القرار الخاص بحياته. طبعاً ذلك يحتاج إلى تمهيد طريق، وذلك التمهيد يبدأ من المدرسة وبكل تدرجاتها، فالمجتمع الخليجي كما هو قائم مقاوم إلى حد كبير لثقافة المشاركة والانصياع للقانون من الجميع. والتجارب أمامنا واضحة. فهناك أكثر من ستة عقود من المشاركة المتعثرة في بلد مثل الكويت، وفشلت تلك الممارسة الطويلة في قضيتين أساسيتين: الأولى هي نقل الثقل السياسي عامةً من التوزيع إلى الإنتاج، والثانية عدم الفصل بين الرأي والشخص المطلوب في الممارسة الصحية للديموقراطية، وهما مرضان متصلان في ثقافة المجتمع الخليجي والكويتي الريعي، وهي ثقافة جديدة لم تكن موجودة في عصر ما قبل النفط، ولكنها تأصلت.
 
إذاً، النظر إلى المستقبل الذي يفرض تحسين شروط المشاركة هو أمر حتمي، وخطوته الأولى والأهم هي إصلاح التعليم، وهو أمر لا يظهر في عناوين الصحف أو يناقش بجدية بين النخب على مستوياتها المختلفة.
 
فالتعليم يمكن أن يحسّن فهم التحول من ثقافة التوزيع إلى ثقافة الإنتاج، وهو في وضعه الحالي لا يستطيع أن يقوم بتلك المهمة، لأن ثقافة التوزيع هي السائدة، وكأن دخل النفط والغاز دائم ومستمر وفي تصاعد، وهو ليس كذلك. ثقافة التوزيع تجدها في مدارسنا اليوم، لأن ربط الشهادة بالوظيفة يعني استمرار ظاهرة الغش في المدارس، وتزوير الشهادات حتى العليا منها، والتسليم بتصاعد مكافآت الطلاب بصرف النظر عن إنتاجهم المدرسي! فوق ذلك فإنه تعليم يعظم بطريقة أو بأخرى التفكير الماضوي الممزوج بأساطير، وهو هدف يحمله ويذود عنه "الإسلام الحركي" الذي يتغذى على "الإسلام الشعبي"، ولأن الأخير لم تُبذل فيه جهود جادة لتكوين رأي عام مستنير في مقاصده، فهو يشكل احتياطياً استراتيجياً للإسلام الحركي، والدليل لدينا واضح، فإن عدداً من أعضاء مجلس الأمة القائم في الكويت قدموا مجموعة اقتراحات مع شرط  "على الطريقة الشرعية"!! اعتقادهم أن الشريعة ثابتة، فكيف يقام مصنع أدوية مثلاً، كما جاء في أحد الاقتراحات، على الشريعة الإسلامية! وأي قارئ بشيء من العمق يعرف أن الشريعة متغيرة واجتهادية، فليس من الشريعة (أي ما سنّه الآباء) انتخابات ومجالس منتخبة! كما أن بعض الحدود قد تجاوزتها الإنسانية (كبيع العبيد) أو (قطع يد السارق) ومثلها من الأمثلة، هنا نجد أن "الإسلام الشعبي" لم يقم أحد حتى الساعة بتطويره والملاءمة بينه وبين العصر، فجاء الإخوة أصحاب الاقتراح باجتهاد ظنوا أنهم يعملون الشيء الصحيح! ذلك مبلغهم من العلم!
 
إذاً هذه المجتمعات عموماً في دائرة لا فكاك منها من السير نحو الاضطراب، بسبب تفاعل كل تلك العوامل التي ذكرنا بعضاً منها سابقاً.
 
وما الحروب حولنا من اليمن إلى السودان إلى التفكك العراقي والسوري والليبي وحتى التونسي، إلا نتيجة طبيعة لبطء القرار الإصلاحي الذي تحتاجه طبيعياً المجتمعات في عصرنا.
 
عند وضع خطط لتطوير التعليم وإدخال مادة إلزامية على مستويات التعليم في (ثقافة الديموقراطية وشروطها)، وعرض تجارب الأمم وأسباب نجاحها، فإن أي خطط فوقية لتطبيق الديموقراطية ستكون منحرفة عن مقاصدها، ديموقراطية التوزيع وديموقراطية الشخصنة وديموقراطية التطبيق الانتقائي للقانون وديموقراطية المصالح، كما نشاهد في التجارب القليلة حولنا. 
 
إلا إن المشاركة هي مستقبل يجب العمل من أجله بوعي، ولكنها مشاركة واعية ناضجة لا مدرسة صمت، ولا مدرسة مشاغبين، لأن الخيار الذي قد يتاح إن تم ذلك، هو أن تُختطف هذه المجتمعات تحت شعارات أيديولوجية زاعقة إلى الجحيم الذي تعانيه شعوب حولنا!! 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل دول الخليج بحاجة إلى إصلاح سياسيّ هل دول الخليج بحاجة إلى إصلاح سياسيّ



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon