توقيت القاهرة المحلي 10:20:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل دول الخليج بحاجة إلى إصلاح سياسيّ؟

  مصر اليوم -

هل دول الخليج بحاجة إلى إصلاح سياسيّ

بقلم : د.محمد الرميحى

إن نظرنا إلى المستقبل المنظور فإن احتمال وقف الحرب الأوكرانية الروسية سوف ينتج منه عموماً تراجع أسعار المواد الأولية، ومنها النفط، فالحروب لا تدوم، وهو، أي النفط، ما تعتمد عليه دول الخليج عامةً في موازناتها ووضع خططها التنموية، مع مستويات مختلفة الدرجات من خطط البدائل منه المنفذة اليوم. ولكن حتى الساعة، فإن معظم دخل دول الخليج هو من النفط أو الغاز. في الوقت نفسه، فإن هذه المجتمعات تشهد نمواً مطرداً في حجم السكان وفي توسع التعليم في الكم، كما تشهد وعياً تخلقه وتشكله التقنية الحديثة، يتيح شهوة مطالب اقتصادية واجتماعية متعاظمة.
 
هذه المجتمعات تعيش اليوم في مستوى اقتصادي معقول، ولكن في المستقبل، مع احتمال مؤكد لانخفاض أسعار المواد الكربوهيدراتية نتيجة الفائض الذي سوف يتحقق، بسبب حاجة روسيا لتعويض خسائرها في الحرب، وأيضاً تسارع البدائل التقنية، فإن أسعار تلك السلع سوف تتراجع بشدة مع ارتفاع في أثمان السلع الاستهلاكية والمصنعة الأخرى، ما يزيد من تراجع في مستوى المعيشة يسبب عدم الرضا وضعف في قدرة الدولة على الوفاء بالمطالب الجديدة، ما يشكل مأزقاً سياسياً واجتماعياً لا جدال فيه. 
 
إذا كانت ثمة أخطاء سياسية كبيرة في المنطقة اليوم، فهي مغطاة نسبياً بتدفقات مالية كثيفة قد تخفي تأثير تلك العيوب وتسد النقص وتقلل من مستوى عدم الرضا. 
قد يجد البعض أن الكلام السابق (خيالي)، ولكن ذلك هو الشعور البشري. إن الغد للبعض لن يأتي، أو سوف يأتي متأخراً، هو افتراض تنقصه الرؤية ويكذبه واقع مجتمعات كثيرة حول العالم وفي شرقنا العربي. 
 
الحل هو التخطيط للمستقبل عن طريق وضع خريطة طريق للإصلاح السياسي، وفي صلبه مشاركة قانونية ومنظمة للجمهور العام في اتخاذ القرار الخاص بحياته. طبعاً ذلك يحتاج إلى تمهيد طريق، وذلك التمهيد يبدأ من المدرسة وبكل تدرجاتها، فالمجتمع الخليجي كما هو قائم مقاوم إلى حد كبير لثقافة المشاركة والانصياع للقانون من الجميع. والتجارب أمامنا واضحة. فهناك أكثر من ستة عقود من المشاركة المتعثرة في بلد مثل الكويت، وفشلت تلك الممارسة الطويلة في قضيتين أساسيتين: الأولى هي نقل الثقل السياسي عامةً من التوزيع إلى الإنتاج، والثانية عدم الفصل بين الرأي والشخص المطلوب في الممارسة الصحية للديموقراطية، وهما مرضان متصلان في ثقافة المجتمع الخليجي والكويتي الريعي، وهي ثقافة جديدة لم تكن موجودة في عصر ما قبل النفط، ولكنها تأصلت.
 
إذاً، النظر إلى المستقبل الذي يفرض تحسين شروط المشاركة هو أمر حتمي، وخطوته الأولى والأهم هي إصلاح التعليم، وهو أمر لا يظهر في عناوين الصحف أو يناقش بجدية بين النخب على مستوياتها المختلفة.
 
فالتعليم يمكن أن يحسّن فهم التحول من ثقافة التوزيع إلى ثقافة الإنتاج، وهو في وضعه الحالي لا يستطيع أن يقوم بتلك المهمة، لأن ثقافة التوزيع هي السائدة، وكأن دخل النفط والغاز دائم ومستمر وفي تصاعد، وهو ليس كذلك. ثقافة التوزيع تجدها في مدارسنا اليوم، لأن ربط الشهادة بالوظيفة يعني استمرار ظاهرة الغش في المدارس، وتزوير الشهادات حتى العليا منها، والتسليم بتصاعد مكافآت الطلاب بصرف النظر عن إنتاجهم المدرسي! فوق ذلك فإنه تعليم يعظم بطريقة أو بأخرى التفكير الماضوي الممزوج بأساطير، وهو هدف يحمله ويذود عنه "الإسلام الحركي" الذي يتغذى على "الإسلام الشعبي"، ولأن الأخير لم تُبذل فيه جهود جادة لتكوين رأي عام مستنير في مقاصده، فهو يشكل احتياطياً استراتيجياً للإسلام الحركي، والدليل لدينا واضح، فإن عدداً من أعضاء مجلس الأمة القائم في الكويت قدموا مجموعة اقتراحات مع شرط  "على الطريقة الشرعية"!! اعتقادهم أن الشريعة ثابتة، فكيف يقام مصنع أدوية مثلاً، كما جاء في أحد الاقتراحات، على الشريعة الإسلامية! وأي قارئ بشيء من العمق يعرف أن الشريعة متغيرة واجتهادية، فليس من الشريعة (أي ما سنّه الآباء) انتخابات ومجالس منتخبة! كما أن بعض الحدود قد تجاوزتها الإنسانية (كبيع العبيد) أو (قطع يد السارق) ومثلها من الأمثلة، هنا نجد أن "الإسلام الشعبي" لم يقم أحد حتى الساعة بتطويره والملاءمة بينه وبين العصر، فجاء الإخوة أصحاب الاقتراح باجتهاد ظنوا أنهم يعملون الشيء الصحيح! ذلك مبلغهم من العلم!
 
إذاً هذه المجتمعات عموماً في دائرة لا فكاك منها من السير نحو الاضطراب، بسبب تفاعل كل تلك العوامل التي ذكرنا بعضاً منها سابقاً.
 
وما الحروب حولنا من اليمن إلى السودان إلى التفكك العراقي والسوري والليبي وحتى التونسي، إلا نتيجة طبيعة لبطء القرار الإصلاحي الذي تحتاجه طبيعياً المجتمعات في عصرنا.
 
عند وضع خطط لتطوير التعليم وإدخال مادة إلزامية على مستويات التعليم في (ثقافة الديموقراطية وشروطها)، وعرض تجارب الأمم وأسباب نجاحها، فإن أي خطط فوقية لتطبيق الديموقراطية ستكون منحرفة عن مقاصدها، ديموقراطية التوزيع وديموقراطية الشخصنة وديموقراطية التطبيق الانتقائي للقانون وديموقراطية المصالح، كما نشاهد في التجارب القليلة حولنا. 
 
إلا إن المشاركة هي مستقبل يجب العمل من أجله بوعي، ولكنها مشاركة واعية ناضجة لا مدرسة صمت، ولا مدرسة مشاغبين، لأن الخيار الذي قد يتاح إن تم ذلك، هو أن تُختطف هذه المجتمعات تحت شعارات أيديولوجية زاعقة إلى الجحيم الذي تعانيه شعوب حولنا!! 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل دول الخليج بحاجة إلى إصلاح سياسيّ هل دول الخليج بحاجة إلى إصلاح سياسيّ



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon