توقيت القاهرة المحلي 15:04:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذكورة وأنوثة!

  مصر اليوم -

ذكورة وأنوثة

بقلم : د.محمد الرميحى

الأسبوع الماضي كان أسبوع المرأة، واحتفلت وسائل الإعلام العربية بكل فروعها بتلك المناسبة. طبعاً كان الاحتفال أيضاً على مستوى العالم، ما يعنيني هو الفضاء الثقافي العربي وعلاقته بالمرأة ونظرته إليها.

المرأة العربية تعيش في أجواء ذكورية بالمعنى العام، استمعت إلى إحداهن تتحدث في محطة إذاعة عربية دولية، فتقول إن جمال المرأة في خمارها، وبخاصة الأسود! ثم تردف: "ألم تسمع الشعر الجميل الذي يقول: قل للمليحة في الخمار الأسود .... ماذا فعلت بزاهد متعبد"! إلى آخر القصيدة!!

فوجئت بهذا الرأي من امرأة مثقفة، فقصة الخمار الأسود معروفة، فقد جاء تاجر إلى المدينة بأنواع مختلفة من الأخمرة معظمها ملونة، من بينها الأسود، فأقبلت نساء المدينة على الأخمرة الملونة، ولم يبع التاجر من اللون الأسود إلا القليل، فاستأجر شاعراً لترويج بضاعته، كما يستأجر التجار اليوم (فشنستات) لترويج بضاعتهم! فقال ذلك الشاعر تلك الأبيات للإشهار لا غير متخيلاً الموقف، فلا وضوء ولا مسجد ولا أي من الصور الجميلة التي رسمها ذلك الشاعر، ولكن الغرض تحقق، فقد أقبلت النساء وقتها على شراء الخمار الأسود، القضية مجرد تسويق!

كثير من قصص المرأة العربية ذكوري وتراثي في آن، فالتراث مثلاً لم يفرض شكلاً معيناً من اللباس للمرأة، لقد لبست المرأة العربية، على مر العصور، والرجل مثلها أيضاً، ما هو سائد في بيئتها وبيئته، وأي رابط بين التراث والملابس، هو رابط تعسفي يحض الرجال أو بعضهم عليه لأسباب خاصة بهم وليس بالمرأة، ومن الأخطاء الكبرى التي ما زالت ترتكب قرن الملابس أو الشكل الخارجي بالعفة، وهذا أيضاً فرض ذكوري، فليس للشكل الخارجي أو الملابس علاقة بالعفة، والأخيرة تنبع من التعليم والثقة بالنفس والتربية ولا ترتبط بالملابس الخارجية.

قامت المرأة العربية أيضاً على مر الزمن بالعمل إلى جانب الرجل، أو حتى منفردة، سواء خارج المنزل كالعمل بالفلاحة، أم داخل المنزل، فالعمل حق من حقوقها كإنسانة.
في موضوع الحقوق خسرت المرأة العربية في زمن التراجع الكثير من حقوقها، والمؤسف أن تلك الخسارة قبلها قطاع واسع من النساء، على أنها حقيقة يجب التعايش معها.

في الذهن الجمعي العربي الرجولي أن المرأة بالضرورة ناقصة، وأنه يجب حمايتها، ليس من الآخرين فقط، ولكن من نفسها!! وأقرب وصف لتلك الفتاة التي تطالب بحقوقها قولهم إنها "مسترجلة" كوصمة عار وتهميش.

في بعض بلداننا كانت هناك محاولات لإدماج المرأة في السلك الشرطي أو العسكري، إلا أن تياراً فكرياً قوياً ناهض ذلك التوجه، فتراجعت السلطات كما حدث في الكويت (بخاصة في السلك العسكري) أخيراً. بلدان أخرى مثل عُمان والمملكة العربية السعودية خطت تلك الخطوة وأصبحت المرأة في سلك القوات المسلحة، وذلك بطبيعة الحال أمر يُحمد.

ورغم أن الدساتير الحديثة في الدول تنص على كفالة الحرية والمساواة بين المواطنين من دون تفرقة، إلا أنها على أرض الواقع تقيدها بقوانين تفرغها من فلسفتها وغرضها.

أمام المرأة العربية لتنال حقوقها الإنسانية والقانونية كاملة أشواط طويلة، إلا أن المطلوب هو تغيير المنهج، وحتى الآن المنهج في تمكين المرأة وإدماجها هو منهج ذكوري بامتياز، أي المفاضلة بين نساء ورجال، وحرب بين بعض شرائحهم تحت غطاء تراثي أو اجتماعي أو اقتصادي، فيما المطلوب منهج يتصف بالتعامل مع المرأة كإنسانة، مثل الرجل كإنسان.

والإنسان له متطلباته الحياتية والمعيشية والثقافية، وهي شيء واحد للذكر والأنثى، ولكن تجد البعض مثلاً في موقفه من شريعة حقوق الإنسان العالمية يتحفظ، بل ويرفض علناً أن تنطبق تلك النصوص العامة على النساء، كمثل حق الزواج أو حق الانفصال أو الزواج من مخالف في العقيدة! في الوقت الذي يسمح الرجل لنفسه بفعل ذلك!

تعاني المرأة العربية، رغم تخصيص يوم عالمي لها، دونية، في بعض البيئات ظاهرة وفي بعضها مبطنة، وليس شعار تمكين المرأة إلا شعاراً تسكينياً فقط، فحتى الساعة العلة في الثقافة السائدة، وهي ثقافة ذكورية تخضع المرأة لمقتضياتها بوعي أو من دون وعي، والثقافة لا يمكن تغييرها بقانون أو تشريع، فما زال البعض يفصل البنين عن البنات في التعليم، بل ويفاخر في الدفاع عن ذلك نتيجة ثقافة راسخة لديه، وما زال البعض يعتبر عمل المرأة في الفضاء العام مكروهاً، بل وصل الأمر ببعضهم ممن يصف نفسه بأنه من طائفة "الدعاة" أن حرّم على المرأة لبس البنطال! ولن أستغرب إن قام مثل هؤلاء بتحريم التعليم أو العمل، فمثلهم كما يشهد العالم في إيران حيث تسميم البنات في المدارس دليل إلى الخطر الذي تستشعره الجماعات المتزمتة في تعليم البنات، فقد سُممت نحو تسعمئة طالبة تخويفاً للأخريات. أما في أفغانستان فتُحرم النساء من التعليم والعمل ويقوم النظام بذلك أمام العالم كله، إلحاقاً كما يدّعي بالدين والأخير منه براء، إنها شعوذة تدفع المرأة فيها أغلى الأثمان وهي نصف المجتمع وأم الأجيال، فأي نوع من الأجيال ننتظر؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكورة وأنوثة ذكورة وأنوثة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon