توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأوهام الثلاثة!

  مصر اليوم -

الأوهام الثلاثة

بقلم : د.محمد الرميحى

ربما هي أكثر من أوهام، هي أمنيات واقفة بعيداً على الأفق تبدو للعربي أنها قادمة، ولكنَّه انتظرها طويلاً ولم تأتِ، العرب سمّوها سراباً. كان كثيرون على الأقل منذ ثلاثة أرباع القرن يعتقدون أنَّها «المنقذ» لكل معضلاتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
كان ذلك الانتظار يسبب عدم الاستقرار في الأنظمة العربية، وسبباً في الصراعات الداخلية والبينية، ما كان واضحاً هو عدم إدراك «الزمان» و«المكان» والخلط بين «الرغبة» و«القدرة» في العمل السياسي العربي.
فقط القيادات العربية التي تخلَّصت من تلك الأوهام الثلاثة (وهي قليلة) استطاعت أن تقدم شيئاً ما لمجتمعاتها، وهي في الغالب قيادات حديثة، وأوطانها «تُقلع» في مجال التنمية وتسير إلى بر الأمان.
الأوهام أو التمنيات الثلاثة هي بشكل عام «الوحدة العربية» و«الديمقراطية العربية» و«الأمة الإسلامية». أعرف أن البعض ربما يشعر بالقلق عند سماع ما تقدم، وأتفهم ذلك القلق؛ لأنه يُصدَم بما اعتقد طويلاً أن تلك «الأوهام» هي «حقائق».
موضوع الوحدة العربية هو أحد تجليات مونديال قطر 2022؛ فقد أطلق وصول الفريق المغربي لدور الـ16 ثم دور النصف نهائي «في لعبة تختلط فيها المهارة مع الحظ» الكثير من المخزون العاطفي في موضوع وحدة العرب، فقيل «انظروا في الفرحة العارمة التي عمّت بين الأطلسي والخليج بانتصار أسود الأطلس» تلك هي مشاعر الوحدة، دون تفريق بين المشاعر الآنية والواقع، وهو واقع يؤكد «تباين الدولة الوطنية مع الدولة فوق الوطنية»، إلا أن فائض العواطف قد غمر مؤقتاً تلك الحقيقة.
تجارب عديدة على فشل الوحدة العربية من وحدة مصر وسوريا إلى وحدة «الحزب الواحد» المستحيلة في العراق وسوريا، وربما ما نشهده اليوم من صراع في اليمن جزء منه، ذلك التعامل مع الوهم على أنه حقيقة، دون الدخول في تجارب أخرى في السودان أو ليبيا وغيرهما، بل ارتُكبت حماقات كبرى على أساس «تحقيق الوحدة العربية» الفشل في هذا الملف بسبب فقْد العلاقة بالزمان.
موضوع الديمقراطية هي ثاني تجليات الأوهام، فقد مرّ العرب في هذا القرن الواحد والعشرين بموجتين من التغيير الضخم، تختلفان في الدرجة، ولكنهما تتماثلان في النوع، يمكن تسميتهما مجازاً «ربيع العرب الأول» و«ربيع العرب الثاني» طمعاً في «ديمقراطية».
والاثنان أثّرا بدرجة أو أخرى في معظم الأوطان العربية. إلا أن المحصلة تقريباً صفرية.
نقص الديمقراطية بمعناها المرتجى وعلى تعدد درجات «عمقها» في تجارب العرب وصلت إلى طريق مسدودة في الممارسة، وهي غير محققة حتى في التنظيمات السياسية خارج السلطة، كل التنظيمات قمعية وتنفر نفوراً «طبيعياً» من الرأي الآخر المخالف، وتجبر المنتمي لها على «الطاعة والخضوع» وإن اختلف بدرجة ما عن المسار يبقى في الخارج، ليس مطروداً فقط ولكن مشوهاً للسمعة.
الفشل ظاهر في التجارب القليلة على الأرض والتي تسمى «ديمقراطية» في البلاد العربية، فالمشكلة هنا ليس في الشعار أو المبدأ، بل في آلية التنفيذ والممارسة، هناك أوطان في فضائنا حققت منجزات للمواطن دون ذلك الشعار الملتبس، كما أن الديمقراطية ممارسة لم تهيئ لها الثقافة العامة أرضاً خصبة، بل الممارسة المتعثرة فوّتت فرص التنمية في الكثير من التجارب.
أما الوهم الثالث، فهو ما يرفعه البعض من شعار «العودة إلى الأمة الإسلامية»، في الغالب يرفع هذا الشعار الإسلام الحركي، فيغيّب الدولة الوطنية ويلحقها بزعامات خارجها.
ذلك أكثر الأوهام سراباً وخروجاً عن «الزمن» وعن «الواقع»، ولكنه منتشر بأشكال مختلفة ويحظى بمرجعية تعبوية وينشط في مجال «المغالطات المنطقية» معتمدة على انتقاء في النصوص وله جمهور يهيئه التعليم المبتسر والإعلام.
هذه الأوهام الثلاثة خلفت في الهوية الوطنية للدولة العربية «هويات مبتورة» وندوب غائرة لعل أكثر تجلياتها قصة قديمة رواها ساطع الحصري «الذي يلقب بأبو القومية» وكان وزيراً للمعارف في عهد فيصل الأول في العراق، حيث استعان في وقت مبكر بمدرسين من سوريا، فقامت مظاهرات «نعم للوحدة لا للتوظيف» أي لا باس من وحدة مع سوريا أن أردت، ولكن لا توظف سوريين!
لقد مر حين من الدهر والفكر العربي يهوى «القفز في الظلام» من شعارات وحدة الصف إلى وحدة الهدف، ومن بلاد موحدة «السودان» إلى مقسمة، ولعل أكثر ما يشاهد في القفز في الظلام ما تعانيه بعض الدول الوطنية العربية من حرب أهلية وانقسامات عمودية وأفقية وفشل اقتصادي وتبعية، كل ذلك هو في الأصل فشل في وجود مشروع فكري متماسك لبناء الدولة الوطنية الحديثة، فغطس ذلك المشروع كما سلف في فكر «وهمي» من «وحدة عربية» إلى «ديمقراطية شكلية» إلى «أمة واحدة» واستقطب العواطف، ولا يزال لبعض تلك الأطروحات أو جميعها مناصرون.

جميعنا مدعون للتفكير في البديل دون تهرب أو ترهيب، والبديل الذي يتوجب التفكير فيه هو مشروع فكري مختلف يعتمد «السوسيولوجيا» وفهم الواقع، بعيداً عن «الآيديولوجيا» التي تخلص منها معظم العالم، كما ذهب إليها عبد الرحمن الراشد السبت الماضي، حيث أشار في عنوان لافت «عندما تخلّص الصينيون من الصحوة».
نحن محتاجون إلى أن نتخلص من «الصحوات الثلاث» المشحونة بالعاطفة، من أجل إقامة المشروع الجديد أساسه عقد اجتماعي عادل في الدولة الوطنية، وتعاون اقتصادي بيني بمشتركات تُعظم فيها المصالح الوطنية والبينية، الذي تقوم بها اليوم مناطق جغرافية من دول في العام بنجاح بيّن.
ولدي شعور أن الاجتماع الموسع العربي - الخليجي - الصيني الذي عُقد في الرياض الأسبوع الماضي، قد يكون مقدمة لإنضاج المشروع المصلحي العربي المشترك، بذلك يمكن حصد المنافع وتحصين الأوطان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأوهام الثلاثة الأوهام الثلاثة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon