توقيت القاهرة المحلي 10:50:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

موت ملكة ونهاية عصر!

  مصر اليوم -

موت ملكة ونهاية عصر

بقلم : د.محمد الرميحى

وفاة الملكة إليزابيث الثانية التي حكمت سبعين عاماً و214 يوماً، رغم سنها المتقدمة، وقعت على المجتمع البريطاني وقع الصدمة، بين إعلان أطبائها أنها تحتاج إلى راحة، وإعلان الوفاة ساعات قليلة في الثامن من هذا الشهر. الوفاة كانت مفاجئة رغم توقعها، لأن الملكة، قبل أقل من ثمان وأربعين ساعة، كانت في استقبال رئيسة الوزراء الجديدة ليز تراس التي انتخبها حزبها بديلاً لبوريس جونسون المختلف عليه.

تتوفى الملكة بعد عام وأربعة أشهر على وفاة زوجها دوق أدنبرة الأمير فيليب في خضم جائحة كوفيد العام الماضي، وهو مؤشر إنساني يحدث تكراراً عندما يفقد الرفيق رفيق دربه الذي عاش معه فترة طويلة، وبالتالي يفقد الرغبة في الاستمرار.

أصيب المجتمع البريطاني بصدمة، لأنه، لأجيال، اعتبر الملكة هناك دائماً، داعمة وعمود خيمة و"صخرة" كما وصفتها رئيسة الوزراء وهي تنعاها، تحفظ تلك الصخرة المجتمع من العواصف وتثبته في الأزمات وتعطيه شعوراً بالأمان، والشعور بالوحدة. ذلك الشعور بالفقد جاء في وقت عصيب اقتصادياً، وأيضاً عدم يقين بالقيادات السياسية القائمة. كانت الملكة مرجعاً للاستقرار والاستمرار اللذين فُقدا كما يشعر كثير من المواطنين.

الوضع الاقتصادي البريطاني في أسوأ حالاته، البطالة ترتفع والمصانع تقفل أبوابها، والجنيه الإسترليني يتراجع، البعض يرجع ذلك إلى الحرب الأوكرانية الروسية، والبعض الآخر إلى الشعور الوطني الشعبوي الطاغي، وتجاهل المصلحة الوطنية التي أخذت بريطانيا إلى خارج الاتحاد الأوروبي، والبعض يرجعها إلى سوء إدارة وتخبط في السياسات التي اتبعتها حكومة بوريس جونسون، وهي سياسات شعوبية إلى درجة أن كاتباً مهماً هو بيتر أوبراين يصدر كتاباً بعنوان "الهجوم على الحقيقة: بوريس وترامب: انبثاق البربرية الأخلاقية الجديدة؟". يسرد الكاتب، إن افترضنا أنك صاحب شركة تريد توظيف شخص قيادي في شركتك فيتقدم رجل حسن الهندام ولديه مراجع تبدو مقنعة، ولكنك تكتشف أنه طُرد من أول وظيفة بسبب كذبه، ثم تكتشف أنه طُرد من وظيفته الثانية للسبب ذاته، بعد ذلك يتبين لك أن الرجل أمامك مدمن كذب ومدلس ويقدم معلومات غير صحيحة أو مزوّرة، في الغالب يقول الكاتب إنك ستفكر في استدعاء الشرطة، ومع ذلك فإن الشعب البريطاني في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2019 انتخب بوريس جونسون رئيساً لوزراء بريطانيا. الإشارة واضحة إلى خلفية جونسون التي أصبحت معروفة ومفارقة لتقاليد يعتبرها البعض لا تُمسّ.

من يقرأ ما تقدم يعتقد أن الكتاب صدر أخيراً بعد دخول جونسون في عدد من المشكلات سببها الأساس التدليس، ولكن الكتاب صدر مبكراً في عام 2021، إشارة إلى السخط المبكر.

قد لا يرى البعض شيئاً جديداً في ذلك، لأنه على قناعة بأن أغلبية من يعمل بالسياسة يكذب. قد تكون تلك حقيقة، ولكن في بلد له تقاليد راسخة كبريطانيا، تم أخيراً التخلص من جونسون، لا بسبب فشله في السياسة، ولكن بسبب فشله في التحلي بالنزاهة والاستقامة. النزاهة والاستقامة هما اللتان كانت تمثلهما في الحياة البريطانية العامة الملكة إليزابيث، وكانت مرجعاً لفضيلة العمل المستمر والجاد والنزيه في حياة أجيال من الشعب البريطاني، وربما شعوب الكومنولث، حتى قبل أيام من وفاتها.

لذلك، فإن الحزن الشعبي الذي ظهر في الأيام القليلة الماضية هو حزن على الزمن الجميل الذي يتصور أنه يتسرب بين أيدي الجمهور البريطاني، والذي حمل الاستقرار والرفاه في وقت واحد.

تشارلز الثالث، الملك الجديد، زوجته مطلقة سابقة، ويرى البعض أنه فرّط في زوجة جميلة ورقيقة هي الأميرة ديانا التي توفيت في ظروف غامضة في آب (أغسطس) عام 1997، كما أن ابنه الثاني (تمرد على العائلة) وأخاه الشقيق اتهم بتهم تمس السمعة، ولكنه سارع إلى تطمين الجمهور في أول خطاب له، وعيّن ابنه البكر وليام ولياً للعهد، وتبرع بإرث له للدولة!
الزمن اختلف ويحمل كل مؤشرات الاضطراب وعدم اليقين.

الحكومة البريطانية المحافظة الحالية هي في أضعف مكان منذ زمن صعود المحافظين إلى الحكم قبل قليل من بداية القرن الحالي، ففي استطلاعات الرأي العام، يتقدم حزب العمال على حزب المحافظين بنحو عشر نقاط، أي لو تمت الانتخابات قريباً فإن من المرجح أن تنتهي بحكومة عمالية تحمل منفستو مضاداً تماماً للمنفستو الذي تحمله الحكومة المحافظة الحالية، كما أن حزب المحافظين منقسم على نفسه بعد الحرب قسمين، قسم مؤيد لليز تراس، الرئيسة الحالية، وقسم مؤيد لريشي سوناك، وزير الخزانة السابق الذي له مؤيدون أكثر من أعضاء البرلمان المحافظين، وهو من الجيل الثاني من المهاجرين من الهند.

مراسم التنصيب التي تمت أمام كاميرات التلفاز لأول مرة معقّدة (وبعضها خارج عن العصر). فقد وقّع الملك الجديد عدداً من الوثائق، منها احترام استقلالية الكنيسة الاسكتلندية، ومنها حلف الولاء من كل السياسيين للملك الجديد، ومنها (وهو الأغرب) إعلان تنصيب الملك في كل عواصم الأقاليم!! لكنها تنم عن الصراع الطويل تاريخياً بين مؤسسة الملك والناس، وهو تاريخ مليء بالصراع.

على كل المستويات تدخل بريطانيا عصراً جديداً، وتتغير التقاليد البريطانية العريقة بغيرها من تقاليد مستحدثة، وبمجرد أن تنتهي فترة الحداد على الراحلة الكبيرة، فسيتجدد النقاش في القضايا الكبرى، ومنها: هل تستحق كل تلك التقاليد كل ذلك الجهد للحفاظ عليها، أم أن الوقت حان للتفكير في مؤسسة الحكم وامتيازاتها في عصر يسارع بالتغيير؟ وهل يشهد تشارلز الثالث نهاية عصر الملكية كما شهدت والدته نهاية عصر الإمبراطورية؟ تلك أسئلة سوف يجاب عنها في المستقبل، إلا أن المؤكد أن الجمهور البريطاني وهو يشاهد تقاليد القرون الماضية أمامه متلفزة وملوّنة، تدور في خلده المقارنة بين عصر يعيشه ونهاية عصر سابق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موت ملكة ونهاية عصر موت ملكة ونهاية عصر



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon