توقيت القاهرة المحلي 11:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دولة وصديقان!

  مصر اليوم -

دولة وصديقان

بقلم : د.محمد الرميحى

في عدد مجلة "الإيكونوميست" للأسبوع الأول من شهر أيار (مايو) الجاري قصة تخصنا، هي قصة صداقة أسست دولة، أو على الأقل شاركت في تأسيسها، الدولة هي إسرائيل والموضوع كُتب بمناسبة اقتراب ثلاثة أرباع القرن من وجودها.

تبدأ القصة في أثناء الحرب العالمية الأولى، عندما كان أحد قادة الفرق الأميركية في الميدان هو هاري ترومان (الذي أصبح الرئيس الثالث والثلاثين للولايات المتحدة من 1945 إلى 1953). وقتها كتب القائد إلى خطيبته رسالة قال فيها "هناك شخص معنا مسؤول عن الإعاشة، هو يهودي وهو شخص ممتاز". كانت الإشارة إلى إيدي جاكبسون، ابن مهاجر يهودي من ليتوانيا عمل في الجيش الأميركي.

صداقة الرجلين أخذتهما بعد الحرب إلى عمل تجاري مشترك هو فتح محل "خردوات"، ولم يعمر المشروع طويلاً، فقد أصبابهما ما أصاب الاقتصاد الأميركي وقتها من كساد كبير، فافترق الصديقان، أحدهما (هاري ترومان) دخل السياسية، وجاكبسون أصبح بائعاً متجولاً.

في نهاية فترة الوصاية البريطانية على فلسطين واقتراب شهر أيار 1948، كان ترومان ميالاً إلى إيجاد دولة لليهود في فلسطين، إلا أن وزارة الخارجية الأميركية وقتها عارضت تلك الفكرة، فصرف النظر عنها، كما أن الرئيس نفسه شعر بأنه أهين بسبب الضغوط المتنامية عليه من القوى المؤيدة لإنشاء الدولة في الجسم السياسي الأميركي، وقيل إنه نهر غاضباً أحد أعضاء الحكومة عندما فتح الموضوع معه قائلاً: "المسيح نفسه لم يرضهم عندما كان هنا على الأرض، فكيف لأحد أن يعتقد أنه قادر على إرضائهم"، في إشارة إلى اليهود المطالبين بالدولة!

كانت الضغوط على ترومان ليقابل حاييم وايزمن، وهو عالم كيمياء ولد في روسيا واكتسب الجنسية البريطانية لاحقاً، له اليد الطولي في إصدار وعد بلفور عام 1917، ويملك قدرات إقناعية عالية، وأصبح أول رئيس لمجلس الدولة الإسرائيلية 48-49، كانت مهمته إقناع الرئيس بالمشروع الصهيوني، إلا أن الرئيس كان يرفض إعطاءه المقابلة.

جاكبسون لم يكن قد طلب من صديقه أي خدمة في السابق، ولكنه دخل إلى الجناح الغربي حيث مكتب الرئيس في البيت الأبيض يوم سبت بناءً على صداقته السابقة. قابله ترومان بترحاب، ولكنه عندما ذكر فلسطين غضب ترومان، بعد مناقشة صاخبة قال ترومان: لقد نجحت في إقناعي يا بن .....!!!

في ذلك اللقاء مع ترومان حصل وايزمن على ما يريد، وفي 14 أيار عام 1948 أصبحت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بالدولة الإسرائيلية الوليدة، ووضعت قاعدة العلاقات الأميركية الإسرائيلية منذ ذلك الوقت على طريق التعاون الوثيق، إلا أن ذلك الطريق لم يكن مستقراً، فقد هدد عدد من الرؤساء الأميركيين لاحقاً بمراجعة العلاقات الإسرائيلية\ الأميركية. فعل ذلك الرئيس جونسون على خلفية رفض إسرائيل مراقبة موقع ديمونة النووي والرئيس بوش الأب على خلفية بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون بعد حوادث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 قال إن الرئيس بوش خاطر بإرضاء العرب كما خاطرت أوروبا باسترضاء هتلر! في تصريح استفزازي وتحريضي غير مسبوق.

للمرة الأولى بعد سنوات بدأت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة تلحظ تعاطفاً مع الفلسطينيين، بخاصة من الديموقراطيين. أما الجمهوريون فما زالت غالبيتهم مع إسرائيل، وبدأ التناقض في النظام الإسرائيلي يتضح للجمهور الأميركي، ففي الوقت الذي تدّعي أنها ديموقراطية، تتعامل بعنصرية شديدة مع الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي وفي الجوار، مع تراجع الاستفادة من "الهولوكوست" التي أصبحت ذكرى بعيدة لدى الأجيال الجديدة. الأميركيون، وبخاصة الأقليات التي تنادي باحترام تعددية سياسية في بلدهم، يجدون في الممارسة الإسرائيلية نقيض ما يدعون إليه، واحد من كل أربعة من يهود أميركا اليوم يرى أن إسرائيل دولة عنصرية، فهناك إذاً رأي يتنامى لفهم الوقائع السياسية كما هي، ليس في أميركا وحدها ولكن في الكثير من الدول الديموقراطية.
لقد دفع ويدفع ذلك التوجه ما تقوم به حكومة إسرائيل، وخاصة الأخيرة من محو تقاليد الدولة والمجتمع ( الديموقراطي) باتجاه شمولية غير مقبولة في الغرب، واليوم العالم يشاهد الدورة الاحتجاجية التي تقترب من العشرين من التظاهرات المحتجة لمحاولات تحجيم دور المحكمة العليا وتحويل اختصاصاتها إلى سياسيين، وهذا يعني تقليص الحريات، كما يرى العالم أن هناك عشرات الآلاف من الفلسطينيين في السجون، نسبة وازنة منهم من غير تهم محددة.
على الرغم من ذلك الصلف، فإن القيادات الفلسطينية حتى الساعة غير قادرة على مخاطبة الرأي العام العالمي وإعلاء ممارسات مثل (الحريات العامة) و( تبادل السلطة السلمي) و(القضاء على الفساد) و(التعامل الحديث مع القضايا المطروحة). انحباس العمل الديموقراطي الفلسطيني تحت ذرائع مختلفة في الساحة الفلسطينية، هو سلاح في يد الآخرين، ولا يقدم إلا فرص النقد الواسعة للجبهة المقابلة، ويحرم الفلسطيني من أهم ما يحتاج ... الحرية.
السلطة في الضفة غير قابلة للتطور الديموقراطي وتتحجج بعدد من الذرائع، والقائمون على السلطة في غزة في (زمن غير الزمن) مع أطروحات أقرب إلى (الشعوذة السياسية) منها إلى التفكير السياسي المعاصر، مع الاعتراف بالتضحيات الهائلة التي يقدمها الرجل والمرأة في قرى وبلدات المناطق الفلسطينية، إلا أن الاحتباس في تصور مناخ سياسي معاصر وجالب للتأييد العالمي من قبل القيادات، هو الكابح لتعاطف أوسع أو أعمق من المجتمع العالمي لقضية هي الأكثر استحقاقاً من أي قضية عالمية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دولة وصديقان دولة وصديقان



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon