توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كارثة 2022!

  مصر اليوم -

كارثة 2022

بقلم : د.محمد الرميحى

ونحن نستقبل عام 2023 بأمل نودع عام 2022 ونحمل معه كارثة مستمرة هي ربما أكبر تأثيراً حتى من كارثة كوفيد-19 التي حلت بالبشرية. ومهما قلنا عن الكارثة الأخيرة، إلا أنها من أفعال الطبيعة في الغالب ولها مضادات اجتهدت البشرية في السعي الحثيث إلى استنباطها. أما الكارثة الأكبر فهي الحرب الروسية الأوكرانية، وهي حرب إرادات بشرية وقناعات صلبة لا يمكن بسرعة إيجاد ترياق لها.
 
هناك عدد من وجهات النظر لتفسير هذه الحرب التي تشارف بعد أسابيع على دخول سنتها الثانية، وكل تفسير له حججه وقناعاته، وبخاصة السياسية، إلا أن ما تتركه تلك الحرب هو تأثير عميق في العلاقات الدولية وفي مصادر الغذاء العالمي والطاقة والتجارة العالمية، ويتعثر العالم في خضم تضخم لا يمكن تجاهله مهما كان الموقف السياسي منها أو من مسبباتها.
 
لعل الشخص الأكثر تأثيراً في هذه الحرب (وكل الحروب التي شهدها العالم تكاد تكون شخصية وقناعات) هو فلاديمير بوتين الذي سيمر عليه في الحكم المباشر لروسيا الاتحادية نحو اثنين وعشرين عاماً. 
 
في آخر يوم من 1999 تحدث بوريس يلتسين الرجل المريض، وفي الغالب المخمور، وأول رئيس للاتحاد الروسي، بعد انفراط عقد الاتحاد السوفياتي، إلى الشعب في مساء متأخر، وقال إنه قرر التنازل عن السلطة واختيار مساعده الأقرب فلاديمير بوتين الذي قال إنه اختاره من بين عشرين شخصية، لأنه وجد فيه الخليفة الذي سيكمل المسار. 
 
المسار كان من عام 1990 حتى عام 1999. هو مسار باتجاه فك الاشتباك مع فلسفة الاتحاد السوفياتي (الاشتراكية) التي راكمت الكثير من السلبيات حتى وقتها إلى مسار الانفتاح وقوانين السوق. في تلك العشر سنوات تبلور الكثير من المشاريع الخاصة في كل النشاطات الاقتصادية والخدمية، بعدما انفصلت عن الاتحاد الروسي الكثير من القوميات التي كانت تدور في فلكه، ونظر إلى ذلك الانفصال في الغالب على أنه تحقيق مصير للشعوب.
 
ظهر رجال صناعة ورجال إعلام ورجال خدمات. كل هؤلاء أسسوا الكثير من المشاريع الاقتصادية، وعند تقاعد يلتسين تقرر إجراء انتخابات عامة لاختيار الرئيس القادم، وهكذا في آذار (مارس) من عام 2000 فاز فلاديمير بوتين على منافسيه بغالبية بسيطة بلغت نحو 52% من الأصوات وأصبح الرئيس. 
 
كان متوقعاً أن يكمل الرئيس الجديد طريق معلمه السابق يلتسين، ولكنه ما لبث أن فارق ذلك المسار شيئاً فشيئاً. كانت حرب الشيشان الأولى قد وضعت أوزارها موقتاً مع الكثير من الضحايا، واتضح أن الرجل الجديد له طموحات مختلفة، بل مفارقة للفلسفة التي أوصلته إلى الحكم. كان لديه حنين إلى الماضي (قد يكون مرضياً)، فقام بإعادة العلم الأحمر إلى الجيش الروسي وإعادة السلام الوطني السوفياتي، فأصبح للدولة الجديدة علمان أصلي وفرعي، ونشيدان وطنيان أصلي وفرعي!
 
المجموعة التي كانت حول الرجل وشكلت مكتب الدعوة له في فترة ما قبل الانتخابات وما بعدها واعتقدت بليبرالية روسية جديدة، سرعان ما انتهى معظمها إلى المعارضة، ولكنها لم تبق كذلك، فكثير من الرجال والنساء في تلك المجموعة قُتلوا بطريقة غامضة، حتى في مدن بعيدة مثل نيويورك وغيرها، وأمّم الرجل معظم النشاطات الخاصة، بما فيها الإعلام الذي كان مستقلاً وناقداً، كما حطم بقوة الدولة رجال المشاريع الكبيرة في النفط والتجارة الداخلية، وبعد فترة مراوحة بين رئيس وزراء ورئيس للدولة، استقر الامر على أن يكون الرئيس الدائم!
 
مشروع الرئيس الدائم يستعصي التحقيق، وهو إعادة الاتحاد السوفياتي الذي تربي في ظله إلى الوجود، ولكن من دون أيديولوجيا اشتراكية، هذه العقيدة شبه المستحيلة أخذته إلى استرجاع بعض الأراضي في جورجيا وأيضاً جزيرة القرم، وتوسع الأمر للتدخل العسكري في سوريا وتنظيم ميليشيا عسكرية (مجموعة فاغنر) للتدخل في بعض بلدان أفريقيا.
 
نظر الغرب إلى تلك التدخلات على أن الرجل يحب أن يكون أمام شعبه الرجل القوي، وأنها غير ضارة بالمصالح الغربية، حتى جاء موضوع أوكرانيا.
في الغالب كانت المراهنة في أوكرانيا أنها عملية عسكرية ستنتهي بسقوط العاصمة وتثبيت حكومة موالية لموسكو، كما حدث في الشيشان، وحتى الغرب اعتقد ذلك، إلا أن مقاومة الأوكرانيين قلبت المعادلة رأساً على عقب، ووجد الغرب أن مساعدته ستحقق ما كان يرجوه وهو منع فلاديمير بوتين من التمدد أكثر، وكلما طال الزمن في الحرب التي تقتل البشر وتهدم الحجر، استنزفت القوة الروسية وتصاعدت المعارضة للحرب في الداخل، ولكن ليس من دون ثمن على الغرب، فقد صرف الغرب حتى الآن أموالاً طائلة واحتمل الكثير من المصاعب الاقتصادية، وهي تتفاقم كما نشاهد في العواصم الغربية.
 
لذلك فإن حرب أوكرانيا يصح أن تكون كارثة 2022 وربما ما بعدها، لأن الرجل في الكرملين ما زال يحلم بأمجاد المرحلة السوفياتية ولا يتوفر ما توفر لها في السابق كي تعود، والغرب مصر على تلقينه الدرس، بأن العالم لا يمكن أن يتسامح أكثر مما كان في العشرين سنة الأخيرة مع طموح لا يبدو أن له هدفاً معلناً وواضحاً.
 
الهدف المعلن التخلص من النازيين في أوكرانيا، وترجمته التخلص من الحكومة القائمة بوضع حكومة جديدة موالية لموسكو، وذلك، بعد هذه الفترة من الحرب، يبدو شبه مستحيل، لأن معظم الشعب الأوكراني أبدى ولاءه للحكومة القائمة وقاوم.
 
آليات التفاعل المنتظرة هي من جزءين: داخلية في الاتحاد الروسي، وخارجية في رسم خريطة طريق للخروج من هذا المأزق، كلاهما يتطلب النزول من أعلى شجرة التمنيات إلى أرض الواقع، وهي في السياسة عملية ليست هينة، إلا أن صناعة الحرب هينة والبطولة في القدرة على صناعة السلام.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كارثة 2022 كارثة 2022



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon