توقيت القاهرة المحلي 11:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا أحمد... لا محمود؟

  مصر اليوم -

لماذا أحمد لا محمود

بقلم : د.محمد الرميحى

الديموقراطية التي تعارف عليها العالم، وهي "إدارة البلاد من خلال انتخابات عامة دورية وشفافة" هي نتاج المجتمع الصناعي الحديث، والغربي على وجه الدقة، وبعد طول معاناة وصراع، وهي ليست شكلاً واحداً، فهي تتعدد في الممارسة حتى أكثر بكثير من ألوان قوس القزح، فديموقراطية وستمنستر (البريطانية) تختلف عن "الديموقراطية الجفرسونية" في الولايات المتحدة، كما تختلف عن غيرها.

تتعدد أشكال الديموقراطية في الدول الغربية الصناعية، وتختلف جزئياً في الشرق، كما في كوريا الجنوبية أو اليابان أو سنغافورة، إلا أن بين كل تلك الممارسات المختلفة الدرجات في تفاصيل التطبيق، ثمة مشترك أعظم وهو "السعي الجمعي إلى تحقيق الخير العام"، ومن خلال قواعد قانونية معلنة للجميع ومراقبة من الجميع، ومطبقة على الجميع، تنفصل فيها السلطات وتستقل عن بعضها البعض وتتعاون في الوقت نفسه.

تبنت بعض الدول في العالم الثالث، وفي بلداننا العربية، فكرة "الديموقراطية"، ولكنها في الأغلب الأعم فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق "الخير العام". هي تمارس صناديق الانتخاب، والتصويت العام، ربما أيضاً دورياً، ونظرياً ثمة فصل بين السلطات، ولكنها لم تحقق للمواطن ما يصبو إليه، وهو يشاهد كيف تعمل الديموقراطية في فضاء العالم المحيط الذي لم تعد فيه من الحواجز ما يمنع الاطلاع والدراسة ومشاهدة النجاحات المحققة.

فشلت "الديموقراطية" في الدول العربية عامةً، رغم ادعاء أصحابها بأنها "ممارسة صحيحة"، هذا الفشل لأنها اتجهت إلى تحقيق "الخير الخاص"، أكان ذلك الخير طائفياً (كما في لبنان) أو حزبياً (كما في العراق) وأيضاً في تجربة تونس، أو عائلياً وشخصياً كما في تجربة الكويت، كل هذه التجارب فضلت "الخير الخاص" وتجاهلت تماماً "الخير العام".

القضايا التي تطرح في الفضاء العام للديموقراطيات المتقدمة هي قضايا عامة، كمثل إصلاح التعليم، أو تطوير الصناعة أو العناية بالخدمات الطبية وتوفيرها للجميع، أو تشييد بنية تحتية وطرق مواصلات، أو ترقية الثقافة، أو تطوير التشريعات المناسبة لاستقطاب رأس المال، أو تطوير السياحة، أو جودة الحياة، والتي تعود في جملتها على كل أفراد المجتمع بالفائدة، وإذا خرج أحد السياسيين عن القواعد العامة، أُخرج من النظام، إما إلى السجن أو النسيان!

في التطبيق العربي تجد أن الدخول في المعترك "الديموقراطي" هو بدافع فردي، أو بالكثير بدافع مجموعة سياسية أو فئوية، فترى أن الكثير ممن يدخل الساحة، فجأة وبقدرة قادر يتحول "من مديونير إلى مليونير"! وأمام الجميع، إما من خلال الحصول على تسهيلات لمولاته الدولة، أو لأنه يسهّل لأهل السلطة ما يريدون أن يمرروه، كما أن جهد أغلبهم ينصبّ على الحصول على مناصب في الدولة أو الشركات التابعة لها للأهل والأصحاب والمساعدين.

لذلك ينتشر الإحباط من الممارسة، ويُشاع أن فكرة "الديموقراطية" هي طريق الفساد من خلال "استخدام سلطة لتحقيق مصالحة خاصة".

الإحباط الذي ينشأ من تلك الممارسة في الشارع الوطني في الغالب ينصبّ على من "انتخبهم الناس"! وتكال لكثير منهم التهم، ويُحمّلون كل مسؤولية فشل التجربة، أكانت طويلة في الزمن أو قصيرة، ويُعاب على الفكرة لا على الممارسة.

إلا أن الموضوع برمّته يحتاج إلى إعادة تفكير، فعلى الرغم من أن الديموقراطية (بمعناها العام) هي أفضل أسوأ أنواع الحكم كما يردد، إلا أن الأساس في انحرافها عن مقاصدها، جزء منه يتحمله الممارسون، بسبب ضيق مخيلتهم السياسية، أو شراهتهم للمال، والجزء الأكبر يتحمله واضع قواعد اللعبة.

فتلك القواعد لا تترك للمرشحين أو اللاعبين السياسيين أي فرصة لتطوير قواعد اللعبة. يقوم متخذ القرار بتغيير القواعد كما تحددها مصلحته، وعندما يصب الناس جام غضبهم على "اللاعبين" السياسيين، يصبح ذلك في مصلحة واضع قواعد اللعبة. فكلما ازدرى الناس مخرجات تلك الممارسة، أصبحوا أقرب إلى القناعة بأنها لا تساوي ثمنها، والتخلص منها أفضل، ويُترك لصاحب قواعد اللعبة الأمر والنهي، فينتهي الأمر إلى شمولية عمياء.

الممارسون، لأسباب كثيرة - مصلحية أو تدني وعي أو جهل أو أسباب أخرى - لا يشرعون جدياً في تغيير قواعد اللعبة، وفي الواقع تغيير تلك القواعد ليس سهلاً، لأن صاحب تلك القواعد يريد أن يستثمرها لمصلحته وذلك طبيعي!

هنا تكمن أزمة الديموقراطية العربية وفشلها التام في تحقيق الخير العام، لذلك تجد أن معظم النقاشات في بلداننا العربية التي تمارس "الديموقراطية العرجاء" ينصبّ على التوافه من الأمور، وتشيع الاختلافات بل والمشاجرات بين ممثلي الأمة، بالتالي يتوجه كثير منهم إلى تحقيق الممكن من "الخير الخاص"، وكلما كثر هؤلاء سعد واضع القواعد وسهّل أيضاً لهم الحصول على "الخير الخاص" من أجل زيادة الازدراء الشعبي لشخوص وأعمال بعض من يروم الإصلاح، بل إن الأفراد الذين يحاولون الإصلاح (وهم قلة القلة)، تطلق عليهم القوى المتعاملة مع واضع قواعد اللعبة الشائعات، وتتهمهم بتزوير الحقائق وتشويه المقاصد، من أجل تعطيلهم وتعويقهم ومن ثم إبعادهم من المشهد.

يقول لسان حال واضع القواعد "تريدون الديموقراطية .... خذوها واشبعوا... تخلفاً".

إذاً دون وعي لهذه الآلية الجهنمية، فلا تقدم ولا تطوير للمجتمعات، وسوف تبقى ديموقراطيتنا تراوح بين: لماذا أعطيتم أحمد تلك الوظيفة، وتجاوزتم محمود... إلى أن يرث الله الأرض!

الإشكالية التي يتجاوزها الجميع، ويصرفون النظر عنها، هي أن كل تجارب العالم الثالث "الديموقراطية المُعوّقة" والتي عملت على تعظيم المصالح "الخاصة" وتجاوزت المصالح العامة، لم يتمكن أي أحد منها الاستمرار أو حتى الهبوط الناعم، كلها "هوت" بعنف!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا أحمد لا محمود لماذا أحمد لا محمود



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon