توقيت القاهرة المحلي 10:16:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أربع ساعات إلى موسكو!!

  مصر اليوم -

أربع ساعات إلى موسكو

بقلم : د.محمد الرميحى

الاسم ظهر في الأدبيات العامية أخيراً كمجموعة من المرتزقة الروس يحاربون في الأماكن التي تقررها القيادة الروسية، ولكن من دون التورط المباشر والظاهر العلني لتلك القيادة، حتى نشبت حرب أوكرانيا حينما ظهر للناس المسؤول الأول عن تلك المجموعة وتأكد أن تلك القوة الشرسة التي لا تتقيد بمبادئ الحرب، أو حتى بالمبادئ الإنسانية، هي الذراع الفاعلة للقوة الروسية. في الظاهر أن السيد فلاديمير بوتين لم يقرأ كتاب "الأمير" لميكيافيلي الذي حذر رب عمله بالقول: "لا تثق أبداً بالمرتزقة!". لقد قدّم المرتزقة أصحاب الخلفيات الإجرامية الكثير من الخدمات للإدارة الروسية لسنوات طويلة في أكثر من مكان، ولكن في النهاية انقلبت الآية عليها لأنها ببساطة تعودت أن تخرج عن كل ما هو قانوني وعقلاني!

مؤسس هذه المجموعة هو يفغيني بريغوجين، صاحب مطعم في مدينة سان بطرسبرغ. في التسعينات كان يتردد عليه السيد فلاديمير بوتين عندما كان نائباً للمحافظ هناك، وكان قد أدين وسجن لتسع سنوات في العصر السوفياتي، وتطورت العلاقة بين الرجلين بعد ذلك حتى أصبح بريغوجين من كبار رجال الأعمال وتضخمت ثروته حتى أصبحت بمليارات الدولارات، واحتمال أن تأسيس تلك المجموعة العسكرية المرتزقة التي لا قانون لها، كان من أفكار السيد بوتين.

لم تكن علاقة بريغوجين معلنة أو حتى واضحة بمجموعة المرتزقة "فاغنر"، فقد كان ينفي ذلك تكراراً حتى الحرب الأوكرانية التي ظهر فيها بالبزة العسكرية قائداً لتلك المجموعة.

سمعة "فاغنر" سبقت عبر تورطها الفظ في الحرب في سوريا وليبيا وبعض دول القارة الأفريقية، وأخيراً في السودان، وتقول المصادر إن هذه المجموعة تملك أسلحة متطورة ليست متاحة في السوق، بل هي أسلحة تحتاج إلى موافقة دولة للحصول عليها، كما أنها لا تعرف الرحمة أو تتبع قواعد الحروب، فالقتل عندها هو أولوية قبل أي شيء آخر.

بقية القصة معروفة، إلا أن الحرب الأوكرانية، وبخاصة بعد نجاحات حققتها "فاغنر" في تدمير مدينة باخموت الأوكرانية، بدا صاحبها ينتقد علناً القيادة العسكرية الروسية، ويتهم الجنود الروس بالجبن وبالفرار من المعركة، ويتهم القيادة العسكرية بالتخاذل ومنع الأسلحة عن مجموعته، ثم صعّد ذلك الانتقاد بالقول إن بوتين ضلل بمعلومات خاطئة من العسكريين الروس في اتخاذه قرار الحرب في أوكرانيا، بخاصة بعد تغاضي الغرب نسبياً عن احتلاله ومن ثم إلحاقه شبه جزيرة القرم بالمجال الروسي! ثم خطا رئيس "فاغنر" بعد ذلك خطوة أخطر، إذ صرح بأن الدولة الروسية "غير قادرة على الدفاع عن البلاد"! وأخيراً تحتل "فاغنر" قاعدة عسكرية في الداخل الروسي وتتوجه أرتال منها إلى العاصمة موسكو، ما شكل إنذاراً في كل مفاصل الدولة الروسية، قبل أن تتراجع!!

طبيعة الأمور تقول لنا إن التطور الذي يجري هو طبيعي، فعندما تخلق الدولة أو غيرها ذراعاً عسكرية إلى جانب قواتها الرسمية، سرعان ما تنقلب تلك الذراع على صانعها، حدث ذلك في لبنان من خلال وجود سلاحين، واحد للدولة وآخر للميليشيات، الأول يتقيد بقواعد عسكرية صارمة، فيما الآخر يتعامل بطريقة غير انضباطية، فيقتل من يريد متى ما يريد، وكما حدث ويحدث في السودان، فقد خلقت دولة البشير ذارعاً لها معادلة للجيش الرسمي، وقد ذهب الجميع بسبب ذلك إلى حرب أهلية ضروس ما زالت قائمة، المظهر نفسه حدث في ليبيا وأيضاً في اليمن، بمجرد أن تُخلق ذارع مسلحة خارج الدولة، تنبت لها أنياب وتظهر أهداف تختلف تماماً عن الأهداف التي تم تجهيزها لها.

لا يمكن أيضاً التفكير في أن مجموعة "فاغنر" هي فقط مغامرة، ولكن واضح أن هناك حسابات جعلتها تتخذ كل تلك الخطوات الخطرة في اتجاه الدولة الروسية، لعل من بين تلك الأسباب الوهن الذي اكتُشف على أرض المعركة، فقد تبين أن أقوى ثاني جيش في العالم لم يستطع أن يروّض جيشاً متوسط العدة كمثل جيش أوكرانيا. صحيح أن الغرب ساعده بالمعدات، ولكن الأكثر صحة هو الإرادة الوطنية الأوكرانية، ولقد كان كثيرون يعتقدون أن الأمر لن يتعدى أسابيع حتى تدين الدولة الأوكرانية لإرادة الكرملين، ولذلك أعطيت الحملة العسكرية اسماً على أنها "عملية عسكرية" وليست حرباً.

اكتشاف قيادة "فاغنر" ذلك واعتماد الدولة الروسية عليها عززا من تطلعاتها، عدا أن قيادة "فاغنر" وجدت أن هناك تياراً في الداخل الروسي، وإن كان غير معلن، غير مؤيد للعملية العسكرية، بخاصة عندما طالت في الزمن وتعاظمت في عدد الضحايا البشرية من الروس.

تلك العوامل جعلت هذه المجموعة العسكرية الميليشيوية المرتزقة تجد نفسها بديلاً للدولة التي ضاعت بوصلتها في حرب لم تعرف كيف تخطط لها، ومن المحتمل أن يتصاعد الصراع ويحدث شرخاً في الصف الروسي الذي يظهر الآن بمظهر المتوحد، ولكن ذلك التوحد دافعه الخوف من المجهول وليس الإيمان بصواب قرارات الحكم، ومنها شن الحرب.

بمجرد أن يسقط حاجز الخوف، وهو ما نتج من فعل قيادة "فاغنر" المقامرة الآن، سيتفكك جدار التعاضد الشكلي والتأييد الظاهري للنظام في الكرملين من الجمهور الروسي، وذلك أمر تنبأت به كتابات مختلفة منذ زمن، وقارنت بين احتمال خسارة الحرب في أوكرانيا وخسارة الدولة السوفياتية الحرب في أفغانستان قبل عقود، والنتيجة المتوقعة هي تغيير في النظام، فهل يحدث؟؟ الأيام والأسابيع القادمة ستقدم جواباً عن ذلك التساؤل، لقد كان بين التغيير وعدم التغيير فقط أربع ساعات من الزمن!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أربع ساعات إلى موسكو أربع ساعات إلى موسكو



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon