توقيت القاهرة المحلي 05:23:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التنباك والحجاب في إيران

  مصر اليوم -

التنباك والحجاب في إيران

بقلم : د.محمد الرميحى

المجتمع الإيراني ليس حالة خاصة في هذا الشرق الأوسط، حاله حال الجميع تقريباً، يحاول جاهداً أن يلج الحداثة، ولكنه يُعوق في أكثر من مكان، التعويق الإيراني هو الأصعب حيث ركب النظام على "قداسة" أشخاص هم في الواقع غير مقدسين لدى كثير من الإيرانيين! البحث عن الأسباب قد يأخذنا الى تفسير صعوبة التحديث من بين أسباب أخرى، الى مستوى الوعي العام المغموس بالخرافة، من جهة، والقمع، من جهة أخرى، وإضعاف النخب، والأهم فقدان القيادة للمشروع الجديد المتكامل.

في أواخر القرن التاسع عشر والسنوات الأولى من القرن الماضي اجتاحت إيران ثورة سميت "ثورة التنباك" (الدخان)، أو "المشروعية"، بدأت حينما منح الملك القاجاري ناصر الدين شاه حق بيع التبغ وشرائه في إيران الى شركة إنكليزية حصلت على امتياز احتكاري، وكان نحو 20 في المئة من المزارعين الإيرانيين يعيشون على تلك الزراعة\الصناعة، مما شكل أزمة للناس.

وصلت الأزمة الى ذروتها حينما أصدر آية الله محمد حسن الشيرازي فتوى بتحريم التنباك، واعتبار كل من يدخنه بمثابة محارب لإمام الزمان (الغائب)، ولأن الشعور الديني المذهبي عميق في الجمهور الفقير في الريف والمدن، حدث الصدام الطويل الذي امتد سنوات وانتهى بشيء من التمثيل الشعبي السياسي (المشروعية) على طراز الديموقراطيات الغربية.

تكرر الأمر قبل انتهاء القرن بصراع بين محاولات الشاه محمد رضا التحديث المتردد وغير الحاسم وبين الجماعات المحافظة. محمد رضا قدم إصلاحات أغضبت شريحتين كبيرتين في المجتمع الإيراني في سبعينات القرن الماضي، إصلاحات اقتصادية اغضبت "البازار" التجار التقليديين، وإصلاحات اجتماعية أغضبت المحافظين وعلى رأسهم رجال الدين، في الوقت نفسه لم يسمح بما يعرف اليوم بالتعددية، بل أنشأ حزباً للدولة سماه "البعث"، كانت معظم قياداته من المتنفذين والمستفيدين من النظام، ولم يتحالف مع النخب الحديثة، بل عزلها، وعندما نضج الشعور بالاستياء، تحالفت القوى الثلاث: المحافظون والليبراليون والتجار ضد نظامه، وقاد ذلك التحالف رجال الدين، واعتقدت الشرائح الأخرى أن رجال الدين هم فقط رأس حربة وسيتركون أمر الحكم لليبراليين والتجار لبناء دولة حديثة، ولكن ذلك لم يحصل، فانتكست الثورة يوم أعلن نجاحها.

اليوم تحدث ثورة من نوع آخر، الأسلوب مختلف ولكن النتيجة المرادة واحدة "تحرير الشعب الإيراني"، وكانت القشة التي "قد تقصم ظهر البعير" هي حجاب النساء، ولعل المتابع يتعرف الى مفارقة تاريخية، فقد كان لبس الحجاب أيام الشاه أو في سنواته الأخيرة مظهراً من مظاهر مقاومة إصلاحاته الانتقائية، وأصبح في أيامنا مظهراً من مظاهر مقاومة الوضع القائم وحكم رجال الدين، ما يقود الى نتيجة منطقية هي أن الحجاب هو "الصاعق" كما كان "التنباك"!

مهسا أميني شهيدة الحجاب التي قتلت في 13 أيلول (سبتمبر) عمرها 22 عاماً، أي أنها ولدت بعد عقدين من وصول المعممين الى السلطة، فهي لم تعرف الزمن الماضي كاملاً، لأن كل برامج التعليم نسفت الى غير رجعة وأصبحت إيران مغموسة بفكر محافظ حتى العظم، هي فقط نظرت الى ما حولها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وقررت أن ترخي "قليلاً" حجابها، والى الآن ذلك يعني التمرد على النظام فهو يحتاج الى قمع حتى الموت، هي رأس جبل الثلج أما بقية الجبل فهي الفقر والبطالة والقمع مجتمعة.

الحجاب، يحاجج كثيرون، ليست له علاقة بصلب تعاليم الإسلام، هو فقط أحد التفسيرات أو الشروح التي وضعت على متن الفقه الإسلامي، كما هو تقليد اجتماعي في بعض المجتمعات، ولم يحدد الإسلام شكلاً من أشكال الملابس للبشر، كان الناس على مر العصور يلبسون ما يشيع في مجتمعهم وفي زمانهم، ويمكن فهم أن الإنسان يلبس ما يروق له من باب الحرية الشخصية، بما في ذلك الحجاب للمرأة، ولكن لا يمكن القطع بأن الحجاب هو متطلب أساسي لكون المرأة هذه أو تلك مسلمة، ولو تم ذلك لأصبحت كل النساء في بلاد المسلمين الواسعة والتي لا تلبس الحجاب بالضرورة خارجة عن الدين وذلك لا يستقيم مع المنطق ولا مع الحياة التي تعاش اليوم.

الحجاب مثل التنباك مثل بوعزيزي في تونس وخالد سعيد في مصر، وقبلهم جميعاً روز باركس التي فجرت، برفض ترك مقعدها في الحافلة لشخص أبيض ثورة الحقوق المدنية في أميركا، هي صواعق التفجير التي غيرت الموازين، لأنها موازين مختلة الى حد العطب.

في الوقت الذي تشتعل فيه إيران مدناً وقرى في موجة تفجر متكررة، آخرها الأسبوع الماضي، ويقتل الأبرياء ويسحب مئات المواطنين الى السجون، ويزداد الهروب من إيران، يقف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على منبر الأمم المتحدة ليحاضر في العالم عن الظلم وحقوق الإنسان والدول القمعية في مفارقة تذكرك باقوال القذافي: "من انتم"، أو بن علي: "فهمتكم"! أي البعد المغيب عن الواقع، وقراءة واقع متخيل لدى أفراد النظام، بعيداً ممّا يحدث في شوارع مدن إيرانية كثيرة لأيام.

السيدة كريستيان أمانبور المذيعة المشهورة في محطة "سي أن أن" المعروفة ألغت لقاء مبرمجاً مع إبراهيم رئيسي لأنها رفضت، في الوضع الحالي وثورة الحجاب مشتعلة، أن تلبس الحجاب لزوم المقابلة. كانت في ظروف أخرى تفعلها، ولكنها هذه المرة كانت ستبدو كأنها تقف ضد بنات جلدتها (هي من أصول إيرانية).

المرض المزمن في الكثير من دول الشرق الأوسط هو أن النخب الحاكمة تعيش في فضاء افتراضي متخيل وأسهل الأمور لديها أن تُعزو أي تململ لدى الشعب الى أنه موعز له من الخارج أو فئة قليلة ضالة حتى يحين موعد التفجير! قد لا يتغير النظام الإيراني بثورة الحجاب ولكنها لبنة كبيرة في طريق التغيير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التنباك والحجاب في إيران التنباك والحجاب في إيران



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon