منذ ظهور نتائج انتخابات الكويت متأخرة مساء يوم الجمعة الماضي 20 أيلول (سبتمبر)، صدر عدد من التحليلات المختلفة المقاصد لتفسير النتائج، وأسهم هنا بعشر قضايا على هامش الانتخابات قد تكون مختلفة وتستحق أن تبرز.
أولاً: لم تُنتج هذه الانتخابات اصطفافات اجتماعية تقليدية فاقعة كما في السابق، بل أفصحت عن بدايات للمجتمع المدني، فقد تنافس القبلي مع القبلي (حتى من القبيلة نفسها)، وتنافس (المذهبي مع المذهبي)، وتنافست الايديولوجية ضد الايديولوجية. كانت المنافسة في الغالب بين أطروحات سياسية، وانتخب الجمهور في الغالب على قاعدة وطنية، هذا لا يعني انعدام الشراسة والغلو في الخصومة اثناء الحملة، وانفلات المشاعر بعدها، حتى أن البعض في (احتفالات الفوز) رفع علماً غير علم الدولة!.
ثانياً: تبين من دون أدنى شك أن المتابعين في تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، غيرهم المصوتين في الصناديق للمرشحين، فقد كان بعض المرشحين يفخرون بأن متابعيهم على وسائل التواصل الاجتماعي بمئات الآلاف من الأشخاص، ولكن عند صناديق الانتخاب تبخرت تلك الأعداد، ما يعني أن ذلك الجيش من المتابعين هو إما من أجل البحث عن الإثارة، أو لإرضاء حب الاستطلاع لا غير.
ثالثاً: قال بعضهم بتقدم المعارضة، وعدد من المحللين استعجلوا في الحديث عن ذلك، وهو أمر غير دقيق، فالمحك هو القدرة على التوافق داخل البرلمان، وهو أمر عسير، كما القول بفوز مجموعة متشددين، وهو أيضاً غير دقيق، في حين أن المجتمع الكويتي يفضل العيش في العصر الحديث، وينبذ تاريخياً التزمت والتطرف وسوف يبقى التشدد والتطرف على الهامش، مزعجين ولكن غير مؤثرين.
رابعاً: تبين العوار الواضح للصوت الواحد رقمياً، فقد كان هناك خمس دوائر انتجت كل منها عشرة فائزين، ولكن الملاحظة المهمة التي يتوجب أن تدرس، أن بين من فاز في رأس القائمة ومن فاز في آخر القائمة فروقاً ضخمة في الأرقام التي حصل عليها كل منهما، ومن خلال حسابات الأرقام يتبين أن النسبة المئوية للفارق بين الأول والأخير في الدوائر الخمس على تسلسلها من الأولى الى الخامسة هي على التوالي تقريباً 71 في المئة في الأولى، 76 في المئة في الثانية، 77 في المئة في الثالثة، 60 في المئة في الرابعة، و 63 في المئة في الخامسة، وهو فارق كبير. اذا لم يقتنع البعض بعوار هذا النظام كما هو واضح من هذه الفروق الكبيرة حتى الآن وفقد النظام المساواة التقريبية حتى في الدائرة نفسها، ليدرس التجربة الأردنية قبل سنوات لتظهر سوءات الصوت الوحد بكل قبحها.
لقد نشر كاتب هذه السطور مقالة تحت عنوان "في الكويت الترقب سيد الموقف" في جريدة "الشرق الأوسط" بتاريخ 13 آب (أغسطس) 2022 وفيها يقول: "يجري القول بين أهل السياسة في الكويت، أجمع ألفي صوت (بالشاوية أو بألاوية) فأنت في السليم"!... ونتائج الانتخابات الأخيرة تدلل على ذلك القول، فقد حصل المرشح العاشر في الدوائر على تسلسلها على 1924 صوتاً، و 1724 صوتاً و2800 صوت، و3332 صوتاً و4000 صوت! لتظهر الفروق الهائلة بين عدد الناخبين في الدوائر المختلفة.
خامساً: نسبة من صوت للفائزين العشرة في كل دائرة (وليس كل المرشحين) تتراوح أعلاها بين 25 في المئة في الدائرة الخامسة، وبين 13 في المئة في الدائرة الثانية، هذا مؤشر له بعدان الأول تشتت الأصوات وضياع معظمها، والثاني أن يتحلى السيد العضو بالتواضع ويعلم أنه ليس ممثلاً مطلقاً للشعب، أو ان لديه "كارت بلانش" لعمل ما يريد في التشريع، فهو يمثل شريحة صغيرة جداً من الجمهور، كما أنه لا يمثلها بالضرورة في جميع آرائها وتطلعاتها أو أولوياتها، فالتريث والحكمة والتعاون ضرورية للسيد النائب، مع استشارة على الأقل جزء من ناخبيه في الأمور المفصلية.
سادساً: أخرجت الانتخابات مجموعة معقولة من الوجوه الجديدة وأيضاً سيدتين، وجميعهم يميلون الى التجديد، وأيضاً وجوهاً قديمة لها تاريخ (تأزيمي) من دون برنامج يذكر، ومن أولى مهمات المجموعة الإصلاحية أولاً تشكيل كتلة وازنة في المجلس لها برنامج وطني إنقاذي على رأسه مراجعة بعض القوانيين المعطلة للحريات، وربما الأهم هو إصلاح جذري لقانون الانتخاب وتوزيع الدوائر، إذ تحتاج العملية السياسية في الكويت الى النضج بعد فترة طويلة من التجربة والخطأ. أما إذا دخل المجلس الجديد في الشخصنة أو وقع بعض أفراده في مستنقع التشفي وأخذ الثأر من الماضي، وتخللت عملهم المصالح الشخصية، فإن الآمال التي وضعها البعض علية سوف تتلاشى تدريجياً وقد ينقلب الجمهور على شخوصه في وقت قصير.
سابعاً: يتوجب أن ينظر في اللائحة الداخلية لتنقيتها من الشوائب التي أصبحت معروفة، مع تأكيد إنشاء لجنة من لجانه لمراقبة الأعضاء ومحاسبتهم، بخاصة من زاوية ما أصبح معروفاً للجميع وهو الإثراء والتكسب غير المشروع، بخاصة بعد أن أدين بعض الأعضاء السابقين بجرائم تكسب مالي من موقعهم في البرلمان، وربما عدم نجاح بعض الوجوه التي كانت متهمة بذلك يدل الى مزاج عام لدى الناخب الكويتي.
ثامناً: الإقبال على التصويت في هذه الدورة كان أعلى قليلاً من الدورة السابقة في عام 2021 وقد بلغ 64 في المئة، في حين كان في الدورة الماضية 62 في المئة، ولكن هذا لا يعني عدم عزوف عدد وازن من الكويتيين عن المشاركة، فقد وصل بعضهم الى قناعة أن لا فائدة من المجالس فلن يتغير شيء الى الأفضل، ورأيهم الى حد كبير صحيح، لأن التجارب الماضية في أغلبها كانت إما معطلاً للتنمية بمعناها الشامل أو مقيداً للحريات ومضيقة على الناس بقوانين غير مدروسة كمثال قانون المسيء السيئ الذكر، والكويت من الدول "المثقلة" بالقوانيين، وأيضاً بالبيروقراطية الكثيفة والمنهكة والتي تمنع أي احتمال تنموي حقيقي، كما لا يعني تذبذب نسبة الإقبال في الدوائر المختلفة وبعضها كان لا يزيد على 52 في المئة فقط، أي أن نصف من يحق لهم التصويت قد امتنعوا!!
تاسعاً: ربما يقود تغيير الآليات وسد أبواب الفساد الجيل الشاب، فبعض من نجح منهم قال كلاماً مهماً أثناء الحملة الانتخابية، وإن كان لديهم الوعي بتشكيل كتلة إصلاحية مستقرة وواضحة الأهداف قد يتحقق بعض المرجو، ذلك يعتمد على مدى نضج الممارسة والتوافق على تحديد الأولويات!
عاشراً: يتطلع بعض الكويتيين (وليس كلهم) بأمل، الى أن يقوم هذا المجلس، بخاصة بعد خطاب سمو الأمير الذي ألقاه سمو ولي العهد في حزيران (يونيو) 2022، وهو خطاب في شقه السياسي تاريخي وغير مسبوق وضع المهمة الإصلاحية في يد الشعب بحسن اختيار أعضاء المجلس بواجبه، والسؤال الذي يحتاج الى إجابة هل يستطيع المجلس الجديد أن يغير قواعد اللعبة التي جاء أصلاً من خلالها؟ هل يستطيع مثلاً أن ينشئ هيئة انتخاب مستقلة أو يقر الانتخاب الإلكتروني، أو يحدث تغييراً هيكلياً في قوانين الانتخاب؟
الإجابة التي ينتظرها قطاع واسع من المجتمع لن تتأخر إما بالإيجاب أو بالسلب في الأشهر القليلة القادمة، لا بد من القول إن بعض المتشائمين يرون أن عمر هذا المجلس قصير ونرجو أن لا يكون!!.