بقلم - ليلى إبراهيم شلبي
إذا ما قضيت عمرا فى بناء عمل بديع قصدت به وجه الله عز وجل والتف حولك مجموعة من البشر يعاونونك مجتمعين على أن يفتح أبوابه لكل محتاج بلا أى تفرقة. واجتهد الجميع كل له دور يتقنه فى منظومة تبدأ وتنتهى عند مفهوم الخدمة العامة فكان المكان قبلة يسعى إليها المريض أملا فى الشفاء والعلاج بكرامة بملء قلبك الرضا عما صارت إليه الحال وفجأة أظلمت الدنيا وعوت الريح واندفع «خرتيت» هائج أعماه غضب هستيرى ليدوس بأقدامه الغليظة المكان ويحطم «بقرنه الواحد» كل ما كان فى طريقه غير مبالٍ إذا ما كان حديدا أو زجاجا فانهار المكان وتساقطت الجدران ودفن العمل الطيب تحت الانقاض. أى حسرة تلك وأى مرارة يعانيها الان أطباء معهد القلب القومى بعد ذلك الحادث الكارثى الهمجى الذى عاشوه هذا الأسبوع. لعلكم اطلعتم على وقائع تدمير حجرة قسطرة كهرباء القلب بمعهد القلب القومى إثر وفاة شاب فى الثلاثين من عمره نقل فى حالة متردية مصابا بجلطة خطيرة فى شرايين القلب وتوفى بعد أن بذل الاطباء أقصى جهد ممكن لانقاذه. لكن يد الله كانت أسبق. محاولات انقاذه بدأت فور وصوله وبدون سؤال عن أى أوراق رغم أن صغر سنه وتعاظم اصابته كانا دليلا كافيا على أنه يتعاطى ما يذهب الوعى ويميت القلب. كان برفقته أخته وزوجته وهما ممرضتان بمستشفى آخر لذا سمح لهما زملاؤهما بالتواجد بقرب حجرة القسطرة ومن هنا انتشرت النار فى الهشيم حينما تعالى صراخهما فهب التتار للانتقام من كل ما كان فى حجرة القسطرة من تجهيزات وأدوات استخدمت فى محاولة انقاذ مريضهما وكانت دائما فى خدمة من هم تحديدا مثلهم.
أطباء معهد القلب حتى اللحظة فى حالة من الصدمة قد تسلمهم لما يعرف فى علم النفس بكرب ما بعد الصدمة وهو أمر جد خطير وتداعياته أكثر خطورة.
هل ما يحدث الان هو تطور طبيعى للعلاقات الاجتماعية فى المجتمع المصرى بين المواطن وجاره وبين المواطنين والدولة.
من المسئول عن غرس شعور الكراهية والرغبة فى الانتقام فى نفوس الناس ضد الأطباء؟ وإن كنت إلى عهد قريب أنفى هذا بكل الصور لكنى الان أرى فى تكرار تلك الحوادث أن الأمر بالفعل جدير بالدراسة واتخاذ مواقف واضحة محددة من الدولة.
ما هى مسئولية الدولة والمجتمع المصرى فى تأمين الأطباء أثناء عملهم.. الترويع الذى أصبح ظاهرة متكررة. ألا يعد هذا ارهابا يحتاج إلى مقاومته بعد أن أصبحت حدود القاهرة متاخمة للعريش وسيناء؟
حجرة قسطرة كهرباء القلب قام بتجهيزها الجيش وأعدتها الدولة بمساهمة من المجتمع المدنى فمن الذى سيتولى تعويض معهد القلب عنها لتستمر جهود أطبائه فى علاج المرضى؟
هل نعاقب مرضانا لأن منهم فئة طغت على حقهم فحق عليهم عذاب المفسدين فى الأرض، وهل بالفعل نتيجة النية لإرساء قواعد وقوانين جديدة رادعة تصل إلى حد الحرابة؟
بدأ الحوار يا سادة فليتفضل كل صاحب رؤية ورأى، فالهم يجمعنا والوطن واحد.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع