بقلم : ليلى إبراهيم شلبي
لقى حديث الرئيس السيسى عن أهمية دور المجتمع المدنى فى مجالات الصحة قبولا واسعا لدى كل من استمع إليه. كنت أنا منهم وقد سجلت هذا فى الصفحة الأسبوع الماضى لكنى أرجأت ملاحظاتى لهذا الأسبوع حتى أتحدث إلى بعض من رموز الصدق فى مجال الخدمة العامة الذين يعملون بجهد خفيض الصوت عالى القيمة. الواقع أننى كنت أعلم قبل أن أبدأ بالسؤال أن هناك تطابقا فى وجهات النظر لأن الهدف واحد والأسلوب وإن تنوع إلا أنه فى النهاية متقارب والاختلاف فيه يثرى العمل ولا يعوقه.
حق الإنسان المصرى فى العلاج هو مسئولية الدولة فى المقام الأول. المركزية مطلوبة فى التخطيط ووضع استراتيجيات عامة تغطى احتياجات المواطنين على امتداد الخريطة الجغرافية للبلاد وفقا لمعالمها الصحية. أمراض المجتمع الزراعى تختلف عن الصناعى وبنية وعمل الإنسان تشكل ملامح الأمراض التى يتعرض لها وطرق الوقاية منها.
الصحة مشروع قومى تتبناه الدولة ويعبر عن سياستها فلا يمكن للمجتمع المدنى أن يحل محلها فى إنجازه. المواطن ينتظر من الدولة أن توفر له الأمان فى مواجهة المرض لهذا يذهب إلى صناديق الانتخابات ليدعم من يترشح لتوفير العلاج له والتعليم لابنه بدءا من عضو مجلس الشعب إلى رئيس الجمهورية لذا فالقضية فى المقام الأول مسئولية الدولة.
يأتى دور المجتمع المدنى مكملا لدور الدولة فى مجال الصحة، فأنا أتصور أن بناء المستشفيات وتجهيزها مشروع يمكن للمجتمع المدنى أنى يقوم به فى حدود إمكاناته بالتعاون الكامل مع الدولة وتحت إشرافها لكن هذا فى الأصل واجب الدولة حتى يتساوى فى حق العلاج كل المواطنين. الشعور القومى يتنامى فى نفوس مواطنين لديهم ثقة فى أنهم يعيشون فى وطن يحمى حدودهم ويؤمنهم ضد المرض.
دور المجتمع المدنى مكمل لدور الدولة ولا يجب أن يحل محله أبدا إنما يدعم برامج الدولة ويسد ثغرات التأمين الصحى ويوفر خدمات إنسانية للمرضى قد لا تمتد إليها إمكانات الدولة.
دور الدولة أن توفر لمشروع التأمين الصحى ميزانية تأتى على رأس القائمة وألا تعتمد فى ذلك على سيل الإعلانات التى يضطر إليها المجتمع المدنى والتى تصل إلى حدود ابتزاز الناس وممارسة الضغوط النفسية عليهم بشتى الصور والوسائل. عمل المجتمع المدنى يقوم فى الأساس على رغبة فى التطوع لعمل الخير يقوم عليها الإنسان طواعية وليس قسرا أو إلزاما.
دور المجتمع المدنى ليس فى الواقع توفير ميزانية لخدمات الصحة إنما التطوع لتقديم الخدمة ذاتها بكل الصور الإنسانية المتاحة.
ما عملت فى مستشفى خارج بلادى إلا بدأت فى اليوم الأول لى بالسؤال عن برنامج المتطوعين: هو البرنامج الذى يدعمه الجميع أطباء وعاملين بالمستشفى إلى جانب المتطوعين من المجتمع المدنى وهم من كل أطياف المجتمع.
أذكر أننى مرة كتتب عن أنواع «الوقف» فى التاريخ الإسلامى والذى عرف فى عهد الدولة العثمانية فكان الأغنياء يوقفون من أموالهم ما يقدم مرتبا ثابتا لرجل يمر يوميا بالمستشفيات ليؤنس المرضى ويسأل عن أحوالهم ويمدهم بطاقات الأمل فى الشفاء تحت مسمى «مؤنس مريض».
من كل قلبى أحيى الجمعيات الخيرية التى تقوم بدور فعال لعلاج المرضى لكنى أؤكد على أن دور المجتمع المدنى يكمل دورر الدولة ولا يجب أن يحل محلها فى مشروع الصحة. من الطبيعى أن يشعر المريض بامتنان تجاه من يعالجه ويمنحه أمل الشفاء. من الطبيعى أيضا أن يؤلمه الشعور بأن الدولة خذلته.
دور الدولة فى مشروع الصحة فرض «عين» ودور المجتمع المدنى فرض «كفاية» كلاهما لازم وكل منهما يكمل الآخر فى حماية الإنسان المصرى من تداعيات الحاجة والمرض.
نقلًا عن الشروق القاهرية