بقلم: حازم منير
لم أستوعب فى حياتى الطويلة فكرة تنسيق أو تحالف اليسار مع جماعة الإخوان، ولا أعلم كيف يتصور يسارى من أى مدرسة، وهى مدارس كثيرة ومتعددة، أن يدير تحالفاً مع جماعة أثبت التاريخ أنها ليست أهلاً للتفاهم الجاد، وليست أهلاً للثقة فيها.
جماعة الإخوان وقت أن اشتهرت بالمحظورة، كما أطلق عليها الراحل العزيز عبدالله كمال، كانت تتلاعب بالبيضة والحجر، تتحاور هنا، وتناور هناك، وتجلس مع المعارضة، وتدير حواراً مع الحكومة، وتتوافق مع فصيل، وتطرح على فصيل آخر موقفاً مختلفاً، وهو سلوك لم يتغير ولم يتبدل، حتى وقت أن أطلق عليها أستاذنا الراحل د.رفعت السعيد تيار المتأسلمين.
أتذكر قبل أسابيع قليلة من ثورة 30 يونيو، أننى التقيت بصديق يسارى فى اجتماع كان مخصصاً لمناقشة تحضيرات لأحداث فى الشارع، وسألته سؤالاً مباشراً: «إنت لسه بتصدق الإخوان؟ ولسه بتتهمنا إننا عملاء مبارك؟» فابتسم وهز رأسه وهو ينظر للأرض، وقال: «خلاص بقى كانت أيام وعدّت».
كان سبب السؤال أن اليسار فى عصر مبارك انقسم فى شأن الإخوان إلى فريقين أساسيين، أحدهما يمثل الأغلبية، ويرى أنها جماعة عدو للديمقراطية، وتستخدم القوى السياسية للتستر خلفها، والابتعاد عن الصدام مع الدولة إذا ما وقع، وترك الآخرين فريسة للصدام ونتائجه، وفريق يرى أن الخلاف مع «مبارك» يبرر التنسيق والتحالف مع الإخوان باعتبار أن الجميع فى جبهة العداء والخلاف مع سياسة الدولة، وإن اختلفت المبررات.
كانت المشكلة الحقيقية أن فريق التنسيق مع الإخوان يتهم الطرف الآخر بأنه يستخدم مسألة الإخوان للتعمية على تحالفه مع مبارك ورجال الدولة، بالإضافة إلى توسيع دائرة التحذير من الإخوان لحرف الأنظار عن الخلافات، والسياسات التى تنفذها الدولة، وعلى هذه الخلفية لعبت الجماعة دوراً فى تعميق الخلاف داخل اليسار، واستخدام ذلك فى تقريب الآخرين.
ورغم ذلك، فإننا لا نستطيع قصر الخلافات مع الجماعة الإرهابية على هذه الحدود، ولكنها تتجاوز ذلك إلى تفرقة حقيقية بين فصائل اليسار، ما بين يسار ديمقراطى يؤمن بالتغيير عبر الدستور وآليات شعبية، وبين فصيل فوضوى لا يؤمن إلا بإسقاط الدولة.
الأهم أننى التقيت بالصديق اليسارى مؤخراً بعد غياب، وسألته: «هل ما زلت على موقفك بعد 30 يونيو من الجماعة الإرهابية، أم ستعودون للخلف وتكررون المأساة؟»، وللأسف جاءت إجابته مزعجة، وتيقنت أن البعض لا يتعلم ولا يفهم.