بقلم: حازم منير
خلافات القائد جمال عبدالناصر مع جماعة الإخوان الإرهابية لا يُمكن تصنيفها تحت بند الثأرات الشخصية من محاولات اغتياله المتكرّرة، والانقلاب عليه وعلى الثورة المصرية، وإنما هى خلافات فكرية عميقة بين انحيازين، إما للهوية المصرية الوطنية، وإما دولة الخلافة الدينية المناهضة للفكرة الوطنية.
هكذا أسس الناصريون خلافاتهم مع جماعة الإخوان منذ غياب القائد، ولم تنحصر المسألة طوال حقب وعهود فى الثأر للزعيم من جانب الناصريين، وإنما كانت محاولات مستمرة من جانب الناصريين لحماية الثورة من عمليات الانقضاض المستمرة عليها.
وربما يمثل غياب هذا الفهم عند الرئيس الراحل أنور السادات واحداً من الأخطاء الاستراتيجية، حين رغب فى تحقيق الاستقرار بوضع الإخوان بديلاً عن الناصريين، ولم ينتبه إلى أنه يحل وحشاً معادياً للدولة الوطنية المصرية، وليس منافساً لتيار سياسى معارض، فكان هو شخصياً أول الضحايا.
المأساة ليست فى خطأ «السادات»، وإنما فى من يسعون إلى تكرار الخطأ نفسه مع القوى نفسها المناهضة للدولة، وهم بذلك لا يحققون أهدافهم، وإنما يساندون أهدافاً أخرى، ستطيح بهم فور وصول أصحابها إلى مراميهم، ثم ستطيح بالدولة والهوية الوطنية المصرية من بعدهم.
إذا كان القائد ناصر استوعب الدرس وفهم حقيقة تناقضات الجماعة مع رسالته السياسية إلى الأمة وقواعدها وأسسها التاريخية، فإن حفنة من المنتمين إلى الجماعة الناصرية تناقضوا مع القائد وانحرفوا فى اتجاه مختلف، حين تصوروا إمكانية التفاهم والتوافق مع تلك الجماعة الإرهابية الأصل، الإسلامية المسمى.
واحد من الدروس الأساسية بعد يناير 2011، انكشاف الوجه الحقيقى للجماعة الإرهابية، ليس فى الإطاحة بأنصارها، كما فعل الملالى فى الثورة الإيرانية، وإنما فى بدء الإطاحة بجوانب مؤسسة من تاريخ الدولة الوطنية، تمهيداً لاقتلاعها وتأسيس دولة الخلافة المعادية للهوية الوطنية، وإعادتنا إلى عهد احتلال الدولة العثمانلية مجدداً.
الشاهد أن عودة مجموعات من الجماعة الناصرية للدفاع عن التيار الاستئصالى الإرهابى، والبحث عن جوانب توافق وتفاهم معه، واعتباره تياراً وطنياً قابلاً للتنسيق والتحالف، فإن هذه العودة إما أنها تمثل خللاً جسيماً فى أفكار أصحابها، أو تُمثل دوافع شخصية انتقامية ليس أكثر، لأن دروس التاريخ، والشواهد تقول إن هذا التفاهم متعارض تماماً مع حقائق الواقع فى الماضى والحاضر والمستقبل.
كنت أقول من لم يستوعب دروس يناير ويونيو سيفقد القدرة على التعامل مع الواقع المصرى، ومن أبرز وأهم دروس هذه المرحلة وتاريخ مصر، أن جماعة الإخوان إرهابية، وتسعى لهدم الدولة الوطنية وتأسيس دولة خلافة دينية ثيوقراطية، لذلك فإن اتجاه البعض من الجماعة الناصرية للتنسيق أو التحالف معهم، ليس خروجاً عن أسس المفاهيم النظرية الناصرية، وإنما هو حماقة تراهن بالوطن وبالهوية المصرية.