توقيت القاهرة المحلي 07:37:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذوو الاحتياجات الخاصة.. وجوائز السماء

  مصر اليوم -

ذوو الاحتياجات الخاصة وجوائز السماء

بقلم - ناجح إبراهيم

لم تكن لى سابقة تعامل مع ذوى الاحتياجات الخاصة حتى دخلت الجامعة وأقمت مع أشقائى ومع أ.د.محمد يوسف عبدالحكيم، الأستاذ بعلوم أسيوط حالياً، الذى كان وقتها طالباً بالكلية، مشروعاً لتقوية الطلاب وتأهيلهم للشهادات التعليمية، وكان بينهم طالب لديه شلل أطفال اشترط علينا والده توصيله لبيته بعد الدراسة فتعهدت له بذلك.

كنت آخذه وأسير معه ببطء لا تتحمله عجلة شبابى وقتها، فكنت أصابره حتى أسلمه لوالدته، فوقرت فى قلبى سعادة لذلك، وأصبحت خطواته البطيئة تسعدنى وتشعرنى بقوله «وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفاً»، وبنعمة الله على أمثالى الأصحاء، مضت الأيام سريعاً وانتهت الإجازة الدراسية ومهمتى السعيدة.

مرت الأيام ووصلت للسنة الثالثة بكلية الطب، كان زميلنا بالكلية والمدينة الجامعية يعانى من مرض شهير فى العضلات اسمه Myopathy لم أكن أسمع عنه من قبل، ثم أصبحت عبقرياً فى معرفته لأننى طالعت مع زميلى هذا طوال عامين كاملين كل ما كتب عنه.

كان زميلنا «موسى» لا يستطيع الاستيقاظ من نومه أو القيام أو دخول دورة المياه أو نزول وصعود السلم إلا بمساعدتى وزملائى، شحذت همتى وعزمت على أن أقوم بمساعدته، أكرمنى الله فى المقابل أنه كان السبب فى تفوقى الكبير فى الكلية، فقد كان لزاماً علينا المكوث فى الكلية بين المحاضرات وغيرها، فنضطر معاً للمذاكرة والمراجعة والتدقيق فى العلم.

وقد كان لصديقى هذا أسلوب متميز فى المذاكرة تعلمته منه وهو كتابة العناصر الأساسية فى أوراق صغيرة توضع بالجيب وتراجعها كل فترة سواءً فى حِلّك أو ترحالك.

تعلمت من «موسى» الكثير.. والأهم الصبر ممتد المفعول واللانهائى، كان يصعد السلم فى ربع ساعة وكنا نصعده فى دقيقة، عرفت منه أهمية تجهيز الحمامات الإفرنجية وسلاسة الطرق وعمل المصاعد لذوى الاحتياجات الخاصة.

تعطل مصعد الكلية يوم أحد امتحاناتنا، لم يكن أمامنا خيار سوى حمله مع زميل عمرى د.مصطفى السنارى، استشارى القلب الآن، إلى الدور الرابع مناصفة كل منا يحمله دورين، تعلمت منه عدم الحكم على الناس بالظاهر، كان يمشى كالبطة لعمل توازن بين العضلات فيظنه من لا يعرفه أنه يسير متكبراً متعالياً ولكن الحقيقة كانت شيئاً آخر، لم يكتشف علاج للمرض إلا بعد موت «موسى» بسنوات، تعلمت أن مكابدة هذا الصنف من الناس ليس يسيراً فهم فى غاية الحساسية، وقد يغضبون على من يخدمهم دون سبب ظاهر، وقد كان معنا فى المعتقل مصابون بالشلل يغضبون مراراً على من يخدمهم فيقابلون ذلك بالحلم والصبر الجميل.

بعد سنوات طويلة من عمرى رُزقت بطفلة «داون»، سميتها «نوران»، جمعت إعاقتين ذهنية وبدنية «داون مع ثقوب فى القلب» علمتنى الكثير، كانت تتنفس بصعوبة، كانت تحتاج من يحملها طوال الليل، كانت رائعة الجمال، ولكنها مثل مرضى القلب، تنام قليلاً وبطريقة معينة كأن الله هداهم جميعاً لها، كانت سبباً فى انطلاق أرواحنا وأبداننا نحو بذل جديد.

عزمت أسرتنا على ترك كل شىء من أجل رعايتها، تقاسمنا همها، عرفت من خلالها كل الأسر التى ترعى هؤلاء، كل أسرهم تجمع على حبهم وودهم وأنهم سبب خيرها وبركات وجوائز السماء التى تنهال عليهم.

من هؤلاء جميعاً دلفت إلى هذا العالم الجميل الرقيق الذى عذابه عذب، وتعبه راحة، أحببتهم، أقول لكل طبيب أو صيدلى أو تاجر ألا يتقاضى أجراً من هؤلاء، وأحاول فعل ذلك دائماً، أقدم لهم البيبسى الذى يعشقونه، فيشرب الطفل سريعاً كوبه مع كوب أبيه وأمه، ينظرون إليه بعتاب فأقول لهم إننى سعيد بهذا المنظر المتكرر.

استحضرت ذلك كله وأنا أتحدث فى ندوة مركز تأهيل ذوى الاحتياجات الخاصة بالإسكندرية، التى رعاها د.علاء رزق، صاحب الهمة العالية فى خدمة المجتمع، ووجدت هناك عمالقة خدمة هؤلاء الضعفاء بالإسكندرية وغيرها من أمثال د.مكرم رضوان، أ.نعمة حافظ، د.حاتم فهيم، اللواء.أسامة خليل، د.هدية السعيد، وغيرهم.

إنهم جميعاً يعيشون مع هتاف النبى الكريم «إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم»، والذى عاتبه ربه لأنه أعرض عن كفيف من أجل دعوة قادة وساسة كبار غيره، لم يرَ الكفيف الإعراض ولكن الله رآه فكان العتاب الشديد {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}.. فكم أعرضنا مراراً عن هؤلاء وقصرنا معهم، اللهم اغفر لنا تقصيرنا فى حقهم وحق غيرهم.

 

نقلا عن الوطن القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذوو الاحتياجات الخاصة وجوائز السماء ذوو الاحتياجات الخاصة وجوائز السماء



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon