توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذوو الاحتياجات الخاصة.. وجوائز السماء

  مصر اليوم -

ذوو الاحتياجات الخاصة وجوائز السماء

بقلم - ناجح إبراهيم

لم تكن لى سابقة تعامل مع ذوى الاحتياجات الخاصة حتى دخلت الجامعة وأقمت مع أشقائى ومع أ.د.محمد يوسف عبدالحكيم، الأستاذ بعلوم أسيوط حالياً، الذى كان وقتها طالباً بالكلية، مشروعاً لتقوية الطلاب وتأهيلهم للشهادات التعليمية، وكان بينهم طالب لديه شلل أطفال اشترط علينا والده توصيله لبيته بعد الدراسة فتعهدت له بذلك.

كنت آخذه وأسير معه ببطء لا تتحمله عجلة شبابى وقتها، فكنت أصابره حتى أسلمه لوالدته، فوقرت فى قلبى سعادة لذلك، وأصبحت خطواته البطيئة تسعدنى وتشعرنى بقوله «وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفاً»، وبنعمة الله على أمثالى الأصحاء، مضت الأيام سريعاً وانتهت الإجازة الدراسية ومهمتى السعيدة.

مرت الأيام ووصلت للسنة الثالثة بكلية الطب، كان زميلنا بالكلية والمدينة الجامعية يعانى من مرض شهير فى العضلات اسمه Myopathy لم أكن أسمع عنه من قبل، ثم أصبحت عبقرياً فى معرفته لأننى طالعت مع زميلى هذا طوال عامين كاملين كل ما كتب عنه.

كان زميلنا «موسى» لا يستطيع الاستيقاظ من نومه أو القيام أو دخول دورة المياه أو نزول وصعود السلم إلا بمساعدتى وزملائى، شحذت همتى وعزمت على أن أقوم بمساعدته، أكرمنى الله فى المقابل أنه كان السبب فى تفوقى الكبير فى الكلية، فقد كان لزاماً علينا المكوث فى الكلية بين المحاضرات وغيرها، فنضطر معاً للمذاكرة والمراجعة والتدقيق فى العلم.

وقد كان لصديقى هذا أسلوب متميز فى المذاكرة تعلمته منه وهو كتابة العناصر الأساسية فى أوراق صغيرة توضع بالجيب وتراجعها كل فترة سواءً فى حِلّك أو ترحالك.

تعلمت من «موسى» الكثير.. والأهم الصبر ممتد المفعول واللانهائى، كان يصعد السلم فى ربع ساعة وكنا نصعده فى دقيقة، عرفت منه أهمية تجهيز الحمامات الإفرنجية وسلاسة الطرق وعمل المصاعد لذوى الاحتياجات الخاصة.

تعطل مصعد الكلية يوم أحد امتحاناتنا، لم يكن أمامنا خيار سوى حمله مع زميل عمرى د.مصطفى السنارى، استشارى القلب الآن، إلى الدور الرابع مناصفة كل منا يحمله دورين، تعلمت منه عدم الحكم على الناس بالظاهر، كان يمشى كالبطة لعمل توازن بين العضلات فيظنه من لا يعرفه أنه يسير متكبراً متعالياً ولكن الحقيقة كانت شيئاً آخر، لم يكتشف علاج للمرض إلا بعد موت «موسى» بسنوات، تعلمت أن مكابدة هذا الصنف من الناس ليس يسيراً فهم فى غاية الحساسية، وقد يغضبون على من يخدمهم دون سبب ظاهر، وقد كان معنا فى المعتقل مصابون بالشلل يغضبون مراراً على من يخدمهم فيقابلون ذلك بالحلم والصبر الجميل.

بعد سنوات طويلة من عمرى رُزقت بطفلة «داون»، سميتها «نوران»، جمعت إعاقتين ذهنية وبدنية «داون مع ثقوب فى القلب» علمتنى الكثير، كانت تتنفس بصعوبة، كانت تحتاج من يحملها طوال الليل، كانت رائعة الجمال، ولكنها مثل مرضى القلب، تنام قليلاً وبطريقة معينة كأن الله هداهم جميعاً لها، كانت سبباً فى انطلاق أرواحنا وأبداننا نحو بذل جديد.

عزمت أسرتنا على ترك كل شىء من أجل رعايتها، تقاسمنا همها، عرفت من خلالها كل الأسر التى ترعى هؤلاء، كل أسرهم تجمع على حبهم وودهم وأنهم سبب خيرها وبركات وجوائز السماء التى تنهال عليهم.

من هؤلاء جميعاً دلفت إلى هذا العالم الجميل الرقيق الذى عذابه عذب، وتعبه راحة، أحببتهم، أقول لكل طبيب أو صيدلى أو تاجر ألا يتقاضى أجراً من هؤلاء، وأحاول فعل ذلك دائماً، أقدم لهم البيبسى الذى يعشقونه، فيشرب الطفل سريعاً كوبه مع كوب أبيه وأمه، ينظرون إليه بعتاب فأقول لهم إننى سعيد بهذا المنظر المتكرر.

استحضرت ذلك كله وأنا أتحدث فى ندوة مركز تأهيل ذوى الاحتياجات الخاصة بالإسكندرية، التى رعاها د.علاء رزق، صاحب الهمة العالية فى خدمة المجتمع، ووجدت هناك عمالقة خدمة هؤلاء الضعفاء بالإسكندرية وغيرها من أمثال د.مكرم رضوان، أ.نعمة حافظ، د.حاتم فهيم، اللواء.أسامة خليل، د.هدية السعيد، وغيرهم.

إنهم جميعاً يعيشون مع هتاف النبى الكريم «إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم»، والذى عاتبه ربه لأنه أعرض عن كفيف من أجل دعوة قادة وساسة كبار غيره، لم يرَ الكفيف الإعراض ولكن الله رآه فكان العتاب الشديد {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}.. فكم أعرضنا مراراً عن هؤلاء وقصرنا معهم، اللهم اغفر لنا تقصيرنا فى حقهم وحق غيرهم.

 

نقلا عن الوطن القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذوو الاحتياجات الخاصة وجوائز السماء ذوو الاحتياجات الخاصة وجوائز السماء



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:47 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

وفد أميركي يزور دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة

GMT 09:42 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس بزشكيان يختم زيارته للقاهرة ويعود إلى طهران

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 11:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أفضل الأماكن لتجنب الإصابة بالإنفلونزا على متن الطائرة

GMT 18:59 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أسهل طريقة لتنظيف المطبخ من الدهون بمنتجات طبيعية

GMT 22:16 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

مواجهة أسوان لا تقبل القسمة على أثنين

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 05:37 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

جوليا روتفيلد تكشف للفتيات دليل ارتداء ملابس الحفلات

GMT 17:06 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 20:57 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فيليب لام يصف قضية مونديال 2006 بالكارثة الشخصية لبيكنباور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon