مُدَّعو التصوف كثيرون، أما المتصوفة بحق فهم عملة نادرة وخاصة فى زماننا هذا، ومن أعظم المتصوفة فى عصرنا الحالى العلامة الكبير د. حسن عباس زكى وزير الاقتصاد الأسبق فى عهد عبدالناصر والمستشار الاقتصادى الأسبق لأمير الكويت، الذى جمع خصالاً من الخير قد لا تجتمع إلا نادراً فى عصرنا.
وقد أحببت د. حسن عباس كثيراً وقابلت بعض أصدقائه وتلاميذه فقصوا علىَّ بعض مآثره وتجلياته فى الإحسان إلى الخلق ورحمتهم وإنفاقه معظم ما كسبه من عمله فى الكويت على وجوه البر، أما مرتبه كوزير فى عهد عبدالناصر فكان أشبه بالملاليم، والرجل كان من أصول نظافة اليد وفروعها، فلم يجمع أو يدخر منها شيئاً وكان معظم الوزراء فى عهده كذلك، والرجل حينما يتحدث عن التصوف والزهد أو «الجيلانى» فكأنه يتحدث عن نفسه وتخرج الكلمات من قلبه للقلوب، فهو الزاهد العابد العالم المحسن رحمه الله.
وقد كتب د. حسن عباس كتاباً رائعاً سماه «مذاقات فى عالم التصوف» ذكر فيه جملة رائعة من نصائح العلامة الكبير عبدالقادر الجيلانى، وها أنذا أسوق بعضها للقراء لعظم قيمتها وفائدتها وعمق معانيها:
- المؤمن غريب فى الدنيا مسجون فيها، وإن كان فى سعة من الرزق. فهو فى سجن الباطن: بشره وسروره فى وجهه، وحزنه فى قلبه، عرف الدنيا فطلقها.
- أعمالكم عمالكم «أى حكامكم»، والحق «سبحانه» ليس بظلام للعبيد.
- كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة فهى زندقة.
- طِرْ إلى الحق بجناحَى الكتاب والسنة، إياك والحسد فإنه بئس القرين وهو الذى خرب بيت إبليس وأهلكه وجعله من أهل النار.
- اغسل ثيابك من الوسخ واغسل قلبك من الذنوب.
- التقوى أساس كل خير وسبب لمجىء الدنيا والحكمة والعلوم وصفاء القلوب.
- من علامة العارف كتمان الحال، وصمت المقال، والتخلص من الآمال.
- ما شم رائحة المعرفة من افتخر بأبيه وأمه وخاله وعمه وماله ورجاله، ليس عند الله على شىء من رأى نفسه.
- المروءة احتمال زلل الإخوان.
- لا يشم رائحة الولاية من لا يزهد فى الدنيا وأهلها.
- من لم يزدد بعلمه وعمله تواضعاً للخلق فهو هالك.
- من استغنى بالله عز وجل احتاج إليه كل شىء، وهذا شىء لا يجىء بالتحلى ولا بالتمنى، ولكن بشىء وقر فى الصدور وصدقه العمل.
- ليكن الخرس دأبك، والخمول لباسك، والتهرب من الخلق كل مقصودك، وإن قدرت أن تنقب فى الأرض سرباً تختفى فيه فافعل، يكون هذا دأبك، إلى أن يترعرع إيمانك، وتقوى قدم إيمانك، وتنفتح عينا قلبك، فحينئذ أطلق لسانك فى الكلام، واخلع لباس الخمول، واترك الهرب من الخلق، واخرج إليهم، فإنك دواء لهم، لا تبالى بإقبالهم وإدبارهم، وحمدهم وذمهم، فأنت مع ربك عز وجل.
- حصل الرفيق قبل الطريق، والجار قبل الدار، والأنيس قبل الوحشة، والحمية قبل المرض، والصبر قبل البلية، والرضا قبل القضاء.
- إن لم تطعك نفسك فيما تريد من طاعة الله عز وجل، فعاقبها بسياط الجوع والعطش والذل والعرى والخلوة، فنفسك إن لم تركبها ركبتك.
- لا فلاح لقلبك وفيه أحد غير الله عز وجل، لا ينفعك إظهار الزهد فى الأشياء، مع إقبالك عليها بقلبك، أما تستحى أن تقول بلسانك: توكلت على الله، وفى قلبك غيره؟!
- لا تغتر ببعض العلماء، فإنهم علماء بحكم الله، جهال بذاته.
- لا تيأس من رحمة الله عز وجل بمعصية ارتكبتها، بل اغسل نجاسة ثوب دينك، بماء التوبة والثبات عليها، والإخلاص فيها.
- لا تكن كحاطب الليل، يحطب ولا يدرى ما يقع بيده، هذا شىء لا تحصل عليه بالتمنى والتحلى، والتكلف والتصنع، ولكن هو شىء وقر فى الصدر، وصدقه العمل.
- اعمل ثم انفرد فى خلوتك عن الخلق، واشتغل بمحبة الحق عز وجل، فإذا صح لك الانفراد والمحبة، قربك إليه، وأدناك منه، وأفناك فيه.. ثم إن شاء الله، يظهرك للخلق.