توقيت القاهرة المحلي 07:37:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

.. يركض إلى الصعيد

  مصر اليوم -

 يركض إلى الصعيد

بقلم: د. ناجح إبراهيم

أغراها طول إجازة العيد، مثل الجميع، فأرادت زيارة أسرتها فى الصعيد. لم تجد تذكرة، فقد نفدت التذاكر قبل 12 يوماً من موعد القطار. طمعت أن تجد مكاناً فى قطار «VIP»، صُدمت حينما رأت العربات مكتظة، بعضهم يقف فى الطرقات، أو يفترش الأرض أو مخزن الحقائب وبين العربات.

كلهم دفع قيمة التذكرة مع الغرامة، لم تجد سوى الحمّام ملجأ لأولادها الأربعة، والغريب أنهم دخلوا فى سُبات عميق وكأنهم على سريرهم، من الجيد أنهم تركوا حمّاماً آخر لمن يريد الوضوء أو قضاء حاجته.

عند وصولهم لمحافظتهم جمعوا شملهم متأخرين وأيقظوا الأولاد، لكنهم نسوا أحدهم نائماً لا يريد الاستيقاظ. كاد القطار أن يتحرك دونهم.. ظاهرة نوم الصعيدى بعمق؛ وهو فى طرقات القطار أو بين العربات أو فى الحمّام أو فى مخزن الأمتعة أو على أرفف قطار الدرجة المميزة أو وهو على الباب والقطار يتحرك؛ تحتاج لتفسير.

ذهاب الصعايدة من الإسكندرية والقاهرة للصعيد فى أول العيد مأساة، وعودتهم فى نهايته مأساة أخرى، لا تقل هواناً عن الأولى.

الجميع يشيد بانخفاض أسعار التذاكر بالمقارنة بوسائل المواصلات الأخرى.

الصعيدى يحب السفر بالقطارات رغم صعوباتها، وينسى هوان الرحلة وعذاباتها بعد أن يصل إلى أسرته الكبيرة ووالديه أو يزور قبرهما فى أول الإجازة، وينسى ذل رحلة العودة بعد أن يصل سالماً لأسرته الصغيرة.

فى الدرجة الأولى المكيفة فى الأعياد، تجد عدد الواقفين أكثر من الجالسين، تأسى حينما تجد امرأة حاملاً تقف بالساعات دون أن تجد موطناً لقدميها تريحهما أو تستند على شىء.

وقف كفيف كبير السن فى طرقة العربة مع عصاه وولديه الصغيرين، تأمّله بعض الركاب، حزنوا لمنظره الأليم، ذهب ليستأذن من شاب جامعى ليجلس على طرف كرسيه، فقام منه وتركه له فى شهامة نادرة، فالمسافة طويلة جداً. جلس الكفيف، وأجلس على طرف الكرسى ولديه، ناما فوراً.

قلت له: لماذا تركب القطار وهو بهذه الصورة وأنت بهذا الحال؟ قال الكفيف: السكة الحديد تعفى المكفوف من التذاكر، وقد أكرمنى الكمسارى بترك ولدىّ، رغم تشدده مع الركاب.

قلت له: هل سينتظرك أحد من أشقائك الذين ستزورهم؟، قال: لا، قلت: وكيف ستذهب إليهم؟، قال: لن نعدم أهل الخير الذين يرشدوننا ويوصلوننا. حزنت على أنه، وهو الكفيف، يذهب إلى شقيقه، وهو الأولى بالزيارة والعطف. عجبت للحياة وغرائبها وكيف تفعل بالفقير والضعيف.

جلس الشاب الجامعى على حروف المقاعد بين والدته وشقيقته الصغرى التى تفوقت ودخلت كلية الطب، فقرر الأب مكافأتها والأسرة برحلة من طهطا إلى الإسكندرية.

تذكرت الأيام التى دخلتُ فيها كلية الطب، وكيف كانت فرحتى وفرحة أسرتى باللقب الجميل المقبل، تأملت سيَر الأطباء وكيف نفعوا وخدموا أسرهم، فكرت فى هذه الطالبة، وجدت والديها وأجدادها من رجال التربية والتعليم، فمعظم طلبة كليات القمة من أولاد رجالات التعليم المخلصين، وهذا حدث فى أسرتى أيضاً، فالذين دخلوا الطب من أسرتنا من أبناء رجالات التعليم، علّموا أولاد الناس، فكافأهم الله فى أولادهم وأحفادهم.

كلما اقترب القطار من القاهرة ازداد ازدحاماً، هذا فى الدرجة الأولى، فما بالنا بالثانية!، قال لى وافد منها: إنها كاللحم المتلاصق، فالطرقات وكل بقعة مكتظة بالذين يفترشون الأرض وغلبهم النعاس، لا تستطيع التحرك منها إلى العربات الأخرى، هذا فى القطارات المكيفة، أما المميزة فحدِّث ولا حرج.

وهكذا وصل القطار بعد 17 ساعة كاملة من الركض على القضبان. عندما يصل الصعيدى إلى محطته النهائية، ذهاباً وعودة فى الأعياد، يدرك أنه وُلد من جديد، وكُتبت له الحياة مرة أخرى بعد عذاب وهوان.

ارحموا أهل الصعيد يرحمكم الله، فكل ما فيه بؤس وعوز وحاجة وطرق متهالكة، ويكفى الطريق الزراعى الذى يحصد الأرواح يومياً بلا شفقة ولا رحمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 يركض إلى الصعيد  يركض إلى الصعيد



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon