هزه بكاء الطفل تحت الكوبرى لابتلال الخبز الذى يبيعه، وما ينتظره من عقاب، هدّأ روعه بشراء الخبز المبتل وسط دهشة الطفل مبرراً «أنا أحب الخبز المبتل».
تطوع الشباب المصرى لمساعدة الكبار والمرضى على المرور فى الشوارع الغارقة، ساعدوا السيارات المتعطلة، أنزلوا كراسى للعجائز والشيوخ المحتمين بالبلكونات، كل يساعد الآخر فى إدخال سلع المحلات قبل أن تفسد من المطر، أو يساعد فى عمل تندة للمحل.
ما زالت الشهامة والنخوة المصرية حاضرة وقوية ما تعاقب الليل والنهار، الشدائد تكشف عن جوهر مصر الأصيل رغم تغطيته بالعثرات القيمية والأخلاقية بين الحين والآخر.
تعرض بعض موظفى البريد لعملية نصب من عصابة خطيرة سحبت مبالغ كبيرة من عدة مكاتب للبريد ببطاقات مزورة من عدة محافظات، فحكم عليهم بغرامة مليون جنيه، فما كان من نقابة البريد إلا أن فتحت حساباً باسمها وتبرع موظفو البريد بالمبلغ خلال يومين فقط فى منظومة إنسانية رائعة، سجلت مدى عطاء وتكاتف هؤلاء الموظفين الفقراء أساساً مع زملائهم، وكلهم يقول لنفسه وللآخرين «كان يمكن أن أقف هذا الموقف».
موظف البريد قد يصرف فى اليوم الواحد 500 حوالة، ونظام دفاتر التوفير والحساب الجارى فى البريد يحتاج إلى تعديل جذرى، بحيث ينبغى أن تظهر صورة العميل صاحب الحساب وبيانات بطاقته كاملة فضلاً عن توقيعه.
ضرب أعضاء نقابة البريد مثلاً رائعاً فى الوفاء لزملائهم، سيدات النقابة يحضرن الطعام والدواء يومياً ويقفن على أبواب الأقسام والمحاكم ساعات طويلة لزيارتهم.
لم أكن أتصور قوة هذه النقابة ووفائها بموظفيها ورغم عدم شهرتهم الإعلامية دشنوا الحملة فيما بينهم وأداروها بنجاح، وفعلوا ذلك من قبل مع موظف فقير كبير السن من الشرقية، حتى مديرو الهيئة تعاطفوا مع هؤلاء الموظفين الغلابة الذين كاد مستقبلهم أن يضيع وخاصة قبل اكتشاف العصابة.
توسط بعض الكرماء لامرأة فقيرة لإجراء جراحة كبرى، وقاموا بتيسير الإجراءات الإدارية لتتم على نفقة الدولة، دخلت مستشفى أحمد ماهر قالوا لها: لابد من عدة أكياس دم قالت: أنا لا أعرف أحداً هنا وأنتم تريدونها اليوم، وإذا بشاب من الزوار يقول لها: لا تقلقى يا أمى، سنتبرع لك الآن بهذه الأكياس، ثم طلبت منها الممرضة إجراء عدة تحاليل فوراً فعادت لحيرتها قائلة: يا ابنتى أنا لا أملك مالاً ولا أعرف أحداً هنا، وقبل أن تكمل حديثها تطوع بعض أقارب المرضى بإجراء التحاليل على نفقته، آخرون شحنوا لها رصيد التليفون، عندما عادت لمنزلها بعد الشفاء واسترجعت السيناريو لم تصدق ما حدث فهتفت فى الحاضرين «مصر هى الشهامة».
رأيت شباباً فى قطار الصعيد المكيف يقفون ساعات أو يجلسون على الأرض كى يجلسوا عجوزاً أو حاملاً، وما أدراكم ما مشقة وطول السفر إلى الصعيد.
شهامة المصريين وكرمهم هى الأصل، والندالة والخسة هى الاستثناء، ولكن هذه الشهامة تحتاج إلى إيقاظ بين الحين والآخر، عبر كل الوسائل وما أكثرها.
أذكر سائقاً صعيدياً يعيش فى الإسكندرية سمع استغاثة فتاة فى طريق مظلم فحمل الشومة التى يضعها فى سيارته فوجد أربعة شباب يريدون اغتصاب فتاة جميلة أنزلوها من سيارتها فضرب بعضهم بالشومة وفر الباقون، فلما وصل والدها أستاذ الجراحة قالت له: هذا هو الذى أنقذنى، تحول الشكر إلى معرفة متواصلة.
شكا السائق من بطنه يوماً للطبيب فدعاه للمستشفى وكان يرفض قبلها الجراحة قال له الجراح الكبير: سنعطيك حقنة للألم، فلما أخذها نام فأدخله غرفة العمليات وأجرى له الجراحة واتصل بأسرته ليكونوا حوله بعدها، لم يشعر بالجراحة إلا بعد إفاقته، وهكذا حاول الجراح الكبير رد الجميل الذى صنعه مع ابنته الطبيبة الشابة.
الأخلاق وعلى رأسها الشهامة والأمانة والعفة من مقومات بناء الأمم وهى من لوازم الأمن القومى لو يعلم الناس، وأرجو ألا تغيب يوماً عن بلادنا، سلام على أهل الشهامة والكرم والأمانة والصدق والعفة والحلم والصبر.