بقلم - ناجح إبراهيم
بداية الفتن الطائفية أو المذهبية أو السياسية أو العرقية أو الدينية «كلمة» قيلت بغير حق أو فى غير زمانها أو مكانها أو لأناس لا يعقلونها أو فى وقت تتأجج نفوسهم بالثورة أو الانتقام أو البطش، أو كانوا فى حالة احتقان، الكلمة هى بداية الحروب والشرور، وهى أحد مفاتيح الخير أيضاً، وقد تكون فاتحة للشر، أو بداية لحرب أو إرهاب.
أحوج شىء يحتاج إلى سجن فى كل العصور وخاصة فى عصور الفتن هو «اللسان»، كما عبر الصحابى العظيم عبدالله بن مسعود، وأكثر ما يكب الناس على وجوههم يوم القيامة حصائد ألسنتهم، كما يقول الرسول «صلى الله عليه وسلم»، وهذا تعبير دقيق من نبى كريم عظيم يدرك حقائق الدنيا والدين، ولا يكب اللسان الوجوه فى النار فقط بل قد يورد أصحابه المهالك فى الدنيا والآخرة، كلما كانت هناك فتنة ينبغى على العاقل أن يضبط لسانه وقلمه وتصرفاته، فالفتن لا يصلح فيها هياج العواطف، ومخاطبة الغرائز وصنع البطولات الزائفة على حساب وطن جريح أصلاً ولا يسعه مزيد من الفتن أو الفوضى أو دغدغة العواطف والمشاعر لكسب «شو» كاذب، فكسب الأوطان وتضميد الجراحات ولعب دور سيارة إطفاء الحرائق أفضل كثيراً من كسب المواقف، ففى الفتن لا نصر لأحد، الكل مهزوم، الكل مأزوم، الكل مجروح، الكل يريد الأمان والسلام، وهما أغلى سلعة فى حياة جميع الأمم والشعوب مهما كانت أديانهم وأعراقهم ومللهم، طوبى لصانعى السلام، وحاقنى الدماء، وناشرى المحبة بين الناس.
عهد الوزير السابق د. طارق شوقى أضاع تماماً دور المدرسة ليس فى التربية فحسب، ولكن فى التعليم أيضاً، وزادت حدة الدروس الخصوصية أضعافاً مضاعفة من أولى ابتدائى حتى ثالثة ثانوى وهو الذى كان يقرر دائماً أنه جاء لمحاربة الدروس الخصوصية، انتهى دور المدرسة نهائياً، وانتهت تماماً مكانة المعلم العلمية والتربوية والأخلاقية، وأصبح لا يمثل شيئاً لا بالنسبة للدولة ولا الطلاب.
كان د. طارق شوقى رجلاً نظرياً إلى أبعد الحدود لم يكلف نفسه يوماً لزيارة مدرسة أو رؤية التعليم فى مصر على الواقع، رفض دوماً أن يقرأ الواقع، التعليم كان بالنسبة له مجموعة بيانات وإحصائيات أغلبها مزور حتى مشروع التابلت فى الامتحانات لم نستطع تحقيقه، استرجاع دور المدرسة مرة أخرى قد يحتاج لسنوات وجهود جبارة، أما طريقة الامتحانات الأخيرة فهى أسهل فى الغش من الطريقة القديمة وخاصة فى الصعيد والقرى والمناطق النائية وخاصة إذا تحالف الفساد مع غياب الأمان للمراقبين.
التعليم المصرى يحتاج لثورة شاملة من كل النواحى ولم يعد الترقيع يصلح له، ولكن الظروف الاقتصادية قد لا تساعد على نجاح هذه الثورة الكبرى الآن، أما آن لمصر أن تتريث فى بعض مشروعاتها فى البنية التحتية وتركز مجهودها على الصناعة، لأن فيها حل الكثير من مشكلاتنا وخاصة البطالة التى بدأت سلبياتها الاجتماعية تدق باب كل أسرة وتهدد تماسكها، معظم الشباب المقبل على الزواج يحتاج لتأهيل من عدة نواحٍ كثيرة: دينى، اجتماعى، أسرى، نفسى، تنمية بشرية، إدارة الحياة الزوجية، لأن نسب الطلاق أو التفكك الأسرى أو الفشل الزوجى فاقت الحدود وتنذر بتفكك اجتماعى قد ينعكس على الأمن القومى المصرى.
«أنا خصيمكم يوم القيامة، أنا العبد الذى ظلمه الناس أجمعون، أكلوا حقى واشتكيتهم إلى الله»، بهذه الكلمات استهل الشاب المنتحر من كفر الدوار رسالته التى تركها للناس، ليرتفع معدل الانتحار فى مصر هذا العام عن الأعوام الماضية، ويصل إلى القرى، وهذا جرس إنذار لكل المسئولين عن الملف الاجتماعى والصحى، فمصر وصلت للنسب العالمية فى معدلات الاكتئاب، وأنها بحاجة للتوسع الكبير والمدروس فى الطب والإرشاد النفسى، وبحاجة لإزالة الوصمة عن المريض النفسى، وزيادة أعداد الأطباء النفسيين، وفصل مراكز الطب النفسى عن الإدمان، وتوجيه الأسر لاكتشاف العلاج المبكر لحالات الاكتئاب والفصام وثنائى القطب، والتركيز على أن الانتحار كبيرة وليس كفراً، وأنه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر الله، مع التحذير من هذا الجرم والذنب العظيم، فتح مجالات التدين الوسطى الصحيح، إعادة أئمة وعلماء التنمية البشرية لدورهم الإيجابى فى مجتمع الشباب، وأخيراً معالجة البطالة فهى من أسباب الاكتئاب، وإعادة الاعتبار للطب النفسى وأدويته التى يساء إليها فى كل لحظة.