بقلم: د. ناجح إبراهيم
ذهب صديقى الصوفى، الذى كان والده قطباً فيها لحضور الليلة الختامية للشيخ أبوالإخلاص بالإسكندرية، فعاد حزيناً وثائراً لما آل إليه حال التصوف المصرى والذى كان رائداً للتصوف العالمى الصحيح.
قال بحزن: كان عدد المتسولين ضخماً فى المولد وشكلهم كان مزرياً، لم أجد مجلس علم أو ذكر حقيقى، بل رأيت بعض الهاربين من أحكام جنائية بين الذين يتطوّحون على أنغام الموسيقى، أما المخدرات فكانت واضحة جلية، وأمارات السكر بادية على البعض، ولم أجد مستويات ثقافية أو علمية راقية، وهذا مؤشر خطر.
وأردف: التقيت مع آخرين من محبى الصوفية العلمية النقية الصافية، كانوا غاضبين مثلى.
هؤلاء وغيرهم يعوّلون على مدرسة التصوف العلمى الصحيح فى إنقاذ البلاد والعباد من وهدة الصراعات السياسية التى لا تنتهى والتردى الأخلاقى غير المسبوق، والتفسخ الاجتماعى والانهيار الأسرى، بل والتفاوت الطبقى الخطير.
التصوف الحق يمكن أن يعالج كل هذه الأمراض المستعصية، ولكن الضعف الذى أصاب التصوف المصرى هذه الأيام غير مسبوق رغم أن كل الظروف تؤهله لقيادة ركب الأمة نحو العودة إلى مجدها الغابر.
فمتى ينهض أئمة التصوف الحق لعلاج هذه الآفات، ولماذا يتركون الدخلاء على التصوف لإفساد آخر علاج يمكن أن يداوى جراحات الأمة.
لقد مرت على الزمان أجيال وأجيال من أئمة التصوف قادوه بحق وأصلحوا أمره بدءاً من الجيل الأول الذى قاده الحسن البصرى والفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم ومعروف الكرخى ومالك بن دينار والذى سلم الراية للجيل الثانى الذى قاده البسطامى وبشر الحافى والقشيرى والجنيد والمحاسبى وذو النون المصرى والذى سلم الراية نظيفة راقية شفافة للجيل الثالث الذى قاده الشبلى والحكيم الترمذى والفراء، وتسلمه الجيل الذهبى للتصوف العلمى الرصين أمثال القشيرى وحجة الإسلام الغزالى والهروى والذين أحبوا التصوف الحق بعد أن كاد يموت بفعل الفوضى والخزعبلات والجهل وتسلمه منهم جيل ذهبى آخر قاده الجيلانى والرفاعى والسهروردى فتسلمه منهم الجيل السادس الذى قاده العز بن عبدالسلام، وأبوالعباس المرسى والشاذلى، الدسوقى، التلمسانى، فسلمه إلى الجيل السابع بقيادة تقى وتاج الدين السبكى، والنقشبندى، فسلمه إلى الثامن الذى قاده ابن عروس، ابن الجزرى وهكذا حتى وصل إلى متولى الشعراوى وعبدالحليم محمود، وأحمد الطيب، البوطى، محمد زكى إبراهيم، وغيرهم.
وهؤلاء جميعاً حاولوا طاقتهم الحفاظ على نظافة ونقاء وصفاء الثوب الصوفى حتى هتف فى البرية الزاهد العظيم زكى إبراهيم «ليس التصوف مجرد رقص الراقصين، ولا طبل وزمر وتهييج، ولا هو الذكر بالألفاظ ساذجة محرفات، ولا صعق وتشنج، ولا مواكب رايات ملونة».
كل هؤلاء الأئمة نشروا العلم الصحيح والتربية السليمة والزهد فى الدنيا وإيثار الآخرة، والعفو والصفح والرفق والرحمة.
فالتصوف الذى سيحل أزماتنا «هو تصوف الدوران حول الحق «وتصوف» الإحسان إلى الخلق، تصوف «أن تعفو عمن ظلمك وتعطى من حرمك وتصل من قطعك».
إن ضاع التصوف الحق ضاعت آخر رايات الإسلام، وآخر مركب يمكن أن يبحر بنا إلى شاطئ النجاة، وآخر وسيلة لحقن الدماء التى تسيل من أمتنا ليل نهار.
فمتى ينهض أئمة التصوف الحق لإنقاذه من بين براثن آسريه من المتسولين والسكارى والعاطلين والجاهلين والمتسكعين والمجاهرين بالعصيان الذين يعتبرون بعض الموالد مكاناً لتنفيس بعض شهواتهم وشبهاتهم.
أين الحبيب الجفرى، محمود الشريف، محمد مهنا، إبراهيم عبدالباعث، عمرو الوردانى، يحيى الكتانى، أسامة الأزهرى، مجدى عاشور، وغيرهم لإنقاذ ركب التصوف من تسلق المسيئين إليه والذين يريدون إغراقه، سلام على أهل التصوف الحق.