- وزارة الخارجية المصرية لها تاريخ عريق فى العمل الدبلوماسى والسياسى فى كل عصور مصر، وهى من أدق وأضبط الوزارات السيادية، وأكثرنا لا يعرف شيئاً عن الوزراء الذين قادوا الوزارة، خاصة فى عصور ناصر والسادات ومبارك، ولعلى أسوق تعريفاً وتحليلاً مختصراً لهم مستعيناً برؤية بعض الذين عملوا معهم وساقوها فى مذكراتهم.
- أولاً: محمود رياض: أول وزير خارجية من أصول عسكرية فى تاريخ مصر، والثانى هو كمال حسن على، كان زميلاً لعبدالناصر وشارك فى حرب فلسطين، ومنذ ذلك الوقت صارت قضية فلسطين والصراع العربى الإسرائيلى همه الأكبر.
- كان عضواً فى الوفود المصرية التى ذهبت للدول العربية لإثنائها عن الدخول فى حلف بغداد، كان يرى أن إسرائيل تشكل خطراً على مصر وأننا يجب أن نهتم بفلسطين ليس من باب التضامن العربى فقط ولكن من باب الأمن القومى المصرى، كان مؤمناً بالقومية العربية بعكس د. محمود فوزى الذى كان معجباً بناصر دون أن يؤمن بالقومية العربية، أثرت عليه هزيمة 67 تأثيراً كاسحاً فلم يتخيل حدوثها، وكان مؤمناً بأن إسرائيل لن تخرج من سيناء إلا بقوة السلاح.
- كان رياض هو المعبر بحق عن سياسة عبدالناصر الخارجية وكان أفضل من نفذها.
- كان لا يثق فى كيسنجر ولا يثق فى دبلوماسية السادات.
- بعد خروجه من الخارجية عمل كأمين عام للجامعة العربية، استقال من منصبه كأمين عام للجامعة العربية بعد قرار نقلها من القاهرة وتعليق عضوية مصر رغم إصرار الدول العربية على استمراره فى منصبه، ولكنه قال لهم «أنا مصرى قبل أن أكون أميناً عاماً للجامعة العربية فكيف أقبل الاستمرار بعد تعليق عضوية مصر ونقل الجامعة منها».
- كان يؤمن بأن التركيبة البنيوية لإسرائيل تركيبة توسعية بطبيعتها وأنه لن يهدأ بال لإسرائيل حتى تتوسع فى الأراضى العربية.
- ثانياً: د. محمد حسن الزيات: خلف مراد غالب فى الخارجية، والذى لم يكمل العام فيها، ففى عهد غالب تحولت ملفات الصراع العربى الإسرائيلى إلى مستشار الأمن القومى وقتها حافظ إسماعيل.
- كانت مصر فى عهد غالب فى محنة كبيرة فى مرحلة اللاحرب واللا سلم، وجاء الزيات الذى أدرك نصر أكتوبر فى بدايته وأقيل بعد الحرب، وهكذا لم يستطع أن يجنى ثمار النصر التى انعكست على الخارجية المصرية بالقوة والتألق.
- نصر أكتوبر انعكس على الخارجية فاختار السادات إسماعيل فهمى وزيراً بديلاً عن الزيات، وكانت هذه طريقة السادات، فقد أعطى نصر أكتوبر أهم شرعية لحكم السادات.
- كان الزيات وزير الخارجية المصرى توليفة غير تقليدية فلم يكن من أبناء الخارجية مثل محمود فوزى أو إسماعيل فهمى ولم يكن من خلفية عسكرية مثل محمود رياض ولكنه كان أستاذاً للأدب الشرقى تعلم فى بريطانيا.
- أضر بالزيات أنه ظل فى نيويورك فترة الحرب، بينما عبدالحليم خدام ذهب إلى دمشق قائلاً للزيات: أريد أن أبقى بجوار الرئيس فبقى خدام، وأقيل الزيات، فمسرح الدبلوماسية فى وقت الحرب يكون فى الوطن وبجوار الرئيس وليس فى الأمم المتحدة، وكانت وفاة صهر الزيات د. طه حسين هى التى هيأت للزيات المغادرة الكريمة لنيويورك للوصول للقاهرة فى طائرة خاصة دون جرح مشاعره بالإقالة من المنصب، ورغم ذلك كان الزيات يشعر بالمرارة من طريقة خروجه من الوزارة طوال فترة حياته كلها.
- إسماعيل فهمى: كان دخوله للوزارة غريباً وخروجه منها أغرب، والأغرب من ذلك ارتباط إسماعيل فهمى بصديق عمره محمد رياض، فقد كان الاثنان دائماً معاً وكانا يلقبان «بأولاد فوزى» لأن الدكتور محمود فوزى كان يثق بهما ويستعين بهما فى عملهم فى بعثة مصر للأمم المتحدة.
- كان رياض يصغر إسماعيل بعام فقط، وكانا وزيرين معاً وخرجا من الوزارة معاً، وكلاهما فى كامل لياقته استقال إسماعيل فهمى من وزارة الخارجية احتجاجاً على رحلة السادات للقدس وطلب من رياض مقابلة حسنى مبارك نائب الرئيس لتكليفه بالوزارة، فقد كان وزير دولة للشئون الخارجية، فسأل مبارك عن مغزى الرحلة فتضايق وأنهى المقابلة، فلا أدرك منصبه السابق ولا اللاحق، ولحق بصديق عمره إلى المعاش، حتى قيل وقتها فى الصحف الأجنبية إن معارضة رحلة السادات للقدس تأتى من داخل النظام، خاصة وزارة الخارجية فى سابقة فريدة لاستقالة وإقالة وزيرين مرة واحدة.
- كان إسماعيل فهمى دائب العمل فى السياسة الخارجية وليست له هوايات أخرى مثل د. محمود فوزى الذى كان يعشق العمل اليدوى.
- وكان فهمى مشهوراً بالتوقعات الصائبة فقد تنبأ بما حدث فى 5 يونيو 1967.
- وللحديث بقية إن شاء الله.