تدخل أزمة قطر خلال أيام عامها الثاني في ظل تحجر وتصلب أكبر في المواقف من جميع اللاعبين، لدرجة بات الوسطاء في الأزمة أكثر تشاؤما حول وساطتهم من المراقبين لها؛ ولا يتوقع الوسطاء تنازلا أو حلا قريبا.
الأزمة التي بدأت في 5 حزيران/يونيو الفائت لم تكن منذ بدايتها سحابة عابرة. فالمطالب المطروحة، وعمق وتشعب الخلافات المتراكمة منذ 2014 بين الدوحة من جهة والرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة من جهة أخرى، تعطي انطباعا أننا أمام شرخ عميق وإعادة تموضع إقليمية جدية أكبر من حملات التسريبات والعلاقات العامة التي تتراقص على محيط الأزمة.
لم يطرأ أي تغيير جذري في القضايا الخلافية ولجهة طلبات الرباعية من قطر
حاول الجانب الكويتي وبعده الفرنسي والأميركي وحتى الألماني والروسي التوسط في الأزمة، من دون إحداث أي اختراق يذكر. الإصرار الخليجي يبقى على حل من داخل الخليج، أي الوساطة الكويتية؛ إنما لا الظروف ولا البيئة الإقليمية ناضجة لحل كهذا اليوم، وهذه هي الأسباب:
أولا، لا تستعجل دول الرباعية الحل على حساب التغير في تصرف قطر. هذا الكلام نقله كبار مسؤولي هذه الدول للوفود المختلفة وبوضوح وصل إلى مستوى القول إن "القيادة القطرية تدرك ما المطلوب وحين يتسنى لها تنفيذ ذلك فمرحب بها في الرياض للمصالحة". غير ذلك لا يكفي لإعادة المياه إلى مجاريها، وآلية 2013 التي أوصلت إلى اتفاق الرياض فقدت صلاحيتها مع فشل الاتفاق ولغياب الضمانات التطبيقية عنه.
ثانيا، ليس هناك ضغوط دولية فعلية للوصول إلى حل. وكل ما يتم تناقله إعلاميا عن ضغط من هذه العاصمة أو تلك هو كلام للاستهلاك الإعلامي، لا أكثر ولا أقل. فلا إدارة دونالد ترامب ضغطت حديثا وهي تتأقلم مع الأزمة، ولا وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو منهمك في هذا الملف. ففي نيسان/أبريل كان المطلب الأميركي اتخاذ خطوات صغيرة مثل فتح المعابر الجوية أو فك المقاطعة المصرفية، إنما حتى تلك قوبلت بالرفض. ولم تمارس الإدارة ضغوطا فعلية بعد ذلك، وهي لا تملك اليوم الأوراق الكافية لتغيير المعادلة وتحتاج لتعاون جميع هذه الدول في أولويات أهم واستراتيجية أكبر من أزمة قطر مثل التعامل مع إيران وحماية مصالح واشنطن الإقليمية.
ثالثا، وهو الأهم، لم يطرأ أي تغيير جذري في القضايا الخلافية ولجهة طلبات الرباعية من قطر. فرغم أن الدعم المالي شح لمجموعات في مصر وليبيا مثلا، إلا أن السبب اقتصادي وليس مرده قرار سياسي في قطر بتغيير توجهها واستراتيجيتها الإقليمية المبنية على دعم حركات إسلامية الميول وبناء نفوذ من خلال فتح قنوات اتصال والتوسط في الإفراج عن رهائن مع هكذا مجموعات. وإعلاميا، ما زال التراشق بين الجانبين في أوجه والشائعات والتسريبات تملأ القنوات الفضائية بما لا يوحي بحل قريب.
ليس هناك ضغوط دولية فعلية للوصول إلى حل بعكس ما يتم تناقله
رابعا، تأقلمت الأطراف المتنازعة مع الأزمة. فها هي قطر تستورد الأبقار من أستراليا والولايات المتحدة وتزايد بمقاطعة البضائع السعودية والإماراتية، وتطلب مساعدة تركيا في حماية أمنها. أما الدول الرباعية فلم تواجه عبئا اقتصاديا بسبب الأزمة وهي تمضي بتنويع اقتصاداتها ومد جسور إقليمية أخرى. وهذا يعني أن الأزمة مرجحة لأن تطول من أن يكون حلها قريبا.
خامسا، وإذا أردنا مداعبة نظريات المؤامرة نرى أن الأزمة أفادت كبار شركات العلاقات العامة وعددا من مراكز الأبحاث في الغرب. فملايين الدولارات يتم صرفها، خصوصا من قبل الدوحة، في عواصم غربية لاستمالة "محللين سياسيين" وتسويق وجهة نظر الحكومة المعنية. هذه الأموال أسست مراكز أبحاث جديدة ووظفت "باحثين" همهم الأول الدفاع عن مموليهم.
لهذه الأسباب وغيرها من تجاذب إقليمي وسياسات المحاور لا يمكن إلا استبعاد الحل القريب لأزمة قطر، والتي ستستمر على الأقل هذا الصيف بعد عام من المزايدات والوساطات الضائعة.
نقلًا عن " الحرة" شبكة تلفزيون الشرق الأوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع