بقلم: هبة عبدالعزيز
وأعلم وتعلمون أن الفن سلاح، وأدرك وتدركون أن السلاح لا يصح أن يكون حرّاً حرية مطلقة، والدعوة إلى حرية الفن وحرية الفنان إنما هى دعوة منقوصة وغير صحيحة؛ ولكى تُصبح صحيحة وَجَبَ استكمالها بالتالى: الفن حر، ومسئول، ومحاسب. والفنان كحامل أى سلاح يمكن أن تُسْحَبَ منه الرخصة فى حالة إساءة الاستعمال.
بتلك السطور السابقة كنت قد ختمت مقالى السابق، واليوم أستكمل معكم ما كنا قد بدأناه... وبنظرة سريعة فيها بعض من التدقيق يتبعه شىء من التأمل لمعظم المعروض على الشاشات من فنون -أو هكذا يطلق عليها فى شهر رمضان الكريم- وما تتضمّنه من مسلسلات أو برامج أو إعلانات تجارية أو خيريّة لجمع التبرعات، أو ما إلى ذلك، نجد ما يسر العدو ولا يزيد الحبيب إلا سخطاً؛ ولنبدأ بِالْكَمِّ؛ حيث نجد الْكَمَّ كبيراً جداً بما يتنافى مع ما نشأنا وتربينا عليه من مبادئ دينية بسيطة، لكنها سامية مُرتبطة بشهر الصوم، يأخذنا هذا الكم الغريب العجيب ليعدو بنا بعيداً جدّاً عن ممارسة طقوس وفضائل كريمة؛ من صلوات، وقيام الليل، وقراءة وتدبّر لآيات كتاب الله عز وجل، والذكر، والدعاء، وتَلَمُّس ليلة القدر التى تنفرد بعطاء خاص، والاستمتاع بالأجواء الروحانية، والشحنات الإيمانية.. إلخ من الأمور التى وجب علينا أن نتبارى فى ممارستها لمساعدتنا على الخروج من الدائرة التى يدور معظمنا فيها من القلق الزائد، والشعور بعدم الرضا فى الحياة، وعدم القدرة على الاستمتاع بها معظم الوقت، والخوف غير المبرر أحياناً من الهزيمة المبكرة أمام ضغوط الحياة اليومية، وربما من أعراض الاكتئاب الذى بات يمثل حالة منتشرة يشكو منها الكثير طوال الوقت. لذا ربما جعل الله شهر رمضان العظيم الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان محطة مهمة تمر عليها قاطرة حياتنا فى كل عام مرة واحدة، وتتوقف بها بعض الوقت، لتمنحنا الفرصة لإعادة شحن رصيدنا بالمزيد من النفحات الإيمانية التى تغذى وجداننا، وتزيدنا قوة وصلابة ببركة الإيمان وممارسة الصوم الذى يدرّبنا على الثبات والصبر وقوة الإرادة والعديد من المكارم الأخرى فتسبح أرواحنا وقلوبنا وعقولنا فى بحر من النور والخير والجمال.
فشهر رمضان الذى يُعَدُّ نظاماً نفسيّاً اجتماعيّاً روحانيّاً تطهيريّاً عالياً بات يُرَوَّجُ له على أنه (موسم) فنى!
حسناً، وإن سَلَّمْنَا واستسلمنا لهذا الواقع؛ فدعونا ننتقل للنقطة التالية بعد الكم؛ ألا وهى الكيف، أو (المضمون)، فماذا تحمل لنا تلك الأعمال الفنية المفروضة علينا، والتى تحاصرنا كل عام فى الشهر الفضيل؟! ومن المفترض أن تكون الإجابة حسب العقل والمنطق، وبعيداً عن الدين، فمن المفترض أن تتضمّن الأعمالُ الفنية المخصَّصة لشهر رمضان ما يغذى فينا ما جُعِلَ الشهر له أساساً، وما كان قد سبق وتحدّثنا عنه فى الأسطر القليلة السابقة، لكن.. هيهات هيهات؛ حيث يركز الفن على تقديم برامج الفضائح، والنميمة، والخوض فى الأعراض، والمقالب السخيفة التى تتصدر وتسجل أعلى نسبة مشاهدة بكل أسف، أو يُقَدِّم لنا دراما وتجارب عبثية يبعث معظمها روحاً مشبعة بالأحزان، والأوجاع، والآلام، والغدر، والخيانات، ويقطر تشاؤماً، وحقداً، وينبض بالعدوانية... ولحديثنا بإذن الله بقية..